صفقة بوتين-أردوغان في سوريا لا يمكن أن تستمر، بهذه العبارة عنونت واحدة من أشهر دوريات العالم المتخصصة مقالا كتبه البروفسور "كريس ميلر" المتخصص في الشؤون الأوراسية (الأوربية الآسيوية)، مستعرضا فيه آفاق نجاح اتفاقية "سوتشي" الأخيرة بين موسكو وأنقرة، فيما يخص "المنطقة الآمنة" وإعادة تموضع مليشيا "قسد" داخل الأراضي السورية.
المقال الذي نشرته دورية "فورن بوليسي" وتولت "زمان الوصل" ترجمته، قال فيه كاتبه "ميلر" إن اتفاق سوتشي الموقع يوم الثلاثاء الماضي يمثل ذروة صفقات موسكو وأنقرة، وهو اتفاق يضم 10 نقاط، ويفترض أن تكون بداية النهاية للحرب في سوريا، ولكن الأمور ليس بالبساطة التي تبدو.
وأكد "ميلر" أن تنفيذ صفقة موسكو وأنقرة يقتضي موافقة الأطراف الأخرى المشاركة في الحرب على بنودها، وهو ما يبدو بعيدا، بدءا من مليشيا قسد وانتهاء بنظام الأسد.
لقد نجح بوتين في صفقة سوتشي الأخيرة في كبح جماح التوغل التركي في الأراضي السورية، وتقليص عمق المنطقة الآمنة التي كان يسعى لها أردوغان، فيما سيتولى بشار الأسد عبر جيشه ملء الفراغ الناجم عن انسحاب "قسد" من المناطق الملاصقة للحدود التركية، وستنخرط بعدها موسكو وأنقرة في تسيير دوريات مشتركة على جزء واسع من الحدود السورية التركية، في سبيل تبديد مخاوف أنقرة من عودة مليشيا "قسد" التي تعد في نظرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
ويمضي "ميلر": إذا تم تنفيذ الصفقة على النحو الموقع، فإن ذلك من شأنه تعزيز سيطرة الحكومة السورية (النظام) وتقليص قوة وحدات حماية الشعب (العمود الفقري لقسد).. من غير الواضح ما إذا كانت الصفقة ستستمر. قد تلتزم تركيا وروسيا بها، لكن من غير المحتمل أن يلتزم المقاتلون الآخرون بالصفقة.
ويشرح: "أبدأ مع الأكراد، كانت إحدى الجوانب الرئيسة لمفاوضات بوتين - أردوغان هو أن "جميع عناصر وحدات حماية الشعب وأسلحتهم ستتم إزالتها" من مناطق معينة، وأن "كلا الطرفين سيتخذان التدابير اللازمة لمنع تسلل العناصر الإرهابية". بالتأكيد، وحدات حماية الشعب، التي تشكل غالبية قوات سوريا الديمقراطية، ليس لديها خيار سوى الامتثال على المدى القصير. قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب سحب البساط من تحت قادة الوحدات، وتراجعوا بدورهم بعيدا عن جزء من الحدود.
إذا تم حل الوحدات، فسيتعين على شخص ما القيام بحلها، لن تملك روسيا، حتى بعد نشر قواتها ضمن الدوريات المشتركة الموعودة، القوات اللازمة لحملة متواصلة ضد وحدات حماية الشعب. وليس لروسيا مصلحة كبيرة في تقليص القوة القتالية للأكراد. ربما يملك الأسد القدرة على الضغط على الوحدات لنزع سلاحها. لكن من غير المرجح أن يكون لديه الرغبة بذلك، لأن من غير المنطقي لديه أن يستخدم "موارده الشحيحة" لتحييد منافس أنقرة الأساسي، في وقت لا تزال تركيا ونظام الأسد على خلاف بشأن العديد من القضايا الأخرى.
وعليه، فإن من الخطأ أن تعتقد أنقرة أنها طوت الملف الكردي في سوريا، حسب "ميلر"، الذي يذكّر بأن نشر الجيوش النظامية لا يمكن أن يفيد كثيرا في حال مواجهة "حروب عصابات" كالتي يمكن أن تشنها وحدات الحماية، واعتاد "العمال الكردستاني" على شنها عبر عقود.
ويتابع: حتى إذا نجحت تركيا وروسيا وسوريا (النظام) في قمع وحدات حماية الشعب، فإن هذه المليشيا ستتبنى تكتيكات حزب العمال الكردستاني، وستعود أنقرة إلى استخدام القوة لتأمين مصالحها.
ولكن وحدات الحماية ليست الطرف الوحيد المتأثر بصفقة بوتين – أردوغان، فهناك بشار الأسد الذي تمثل موافقته أمرا بالغ الأهمية إذا أريد للصفقة أن تصمد. أنقرة متفائلة بأن روسيا ستجبر النظام على القبول، على أساس أن الأسد تابع لموسكو، لكن الأخيرة تتذمر بشكل متزايد من أن الأسد شريك صعب المراس.
ويرى "ميلر" أن الأسد حصل بالفعل على أعظم هدية يمكن أن تقدمها روسيا وهي إنقاذ نظامه، والآن تحاول روسيا تحصيل ديونها عن طريق الضغط على الأسد لتقديم تنازلات أمام خصومه. لكن النظام اليوم يحتاج إلى مساعدة روسية أقل من أي وقت مضى منذ بدء الحرب... لا شك أن الأسد ليس لديه أمل في الاحتفاظ بالسيطرة على جميع أراضيه دون دعم بوتين، لكنه يمكن أن يحتفظ بمعظمها، بما في ذلك أكبر المدن، حتى لو غادرت روسيا غدا إن نفوذ روسيا على سوريا - وقدرتها على الضغط على التنازلات من الأسد - آخذ في الانخفاض.
لقد أشارت صفقة بوتين- أردوغان الأخيرة إلى اتفاقية أضنة السورية التركية لعام 1998، والتي تعهد النظام فيها بعدم إيواء مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
في الوقت الحالي، سيرحب الأسد باتفاق بوتين- أردوغان لمنع توغل تركي الأوسع ضمن شمال شرق سوريا. لكن من غير المرجح أن يتخلى النظام عن مسعاه لاستعادة منطقة إدلب، بينما ترى تركيا أن إدلب جزء من دائرة نفوذها، ولديها مخاوف من أن هجوم النظام على المنطقة سيرسل موجة من اللاجئين الفارين إلى تركيا. لكن مع وجود وقف لإطلاق النار في شمال شرق سوريا، أصبح لدى الأسد الآن كل الحوافز لزيادة الضغط على إدلب.
وختم "ميلر" مبديا تشاؤمه من إمكانية انتهاء الحرب، فالأسد يعتقد أنه ينتصر، وتركيا أن تهديداتها قد نجحت في تقليص حجم خصومها، بينما ارتدت وحدات الحماية على أعقابها لكن من غير المرجح أن تستسلم، وعليه فإن جميع الأطراف تعتقد بإمكانية تحسين وضعها عبر مزيد من القتال.ولهذا فإن صفقة بوتين - أردوغان لن تنهي الحرب.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية