أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مصرع البغدادي "قشرة" وسرقة النفط السوري هي "اللب".. غنيمة ترامب التي ينتظر الجحيم كل من يقترب منها

موقع البيت الذي قتل فيه البغدادي - جيتي

· في سوريا ثروة تساوي بأقل التقديرات 150 مليار دولار، ولكنها في الحقيقة أعلى.
· سرقة نفط المنطقة كان وما زال في صلب عقيدة "ترامب" منذ غزو العراق

في الوقت الذي كان يفترض أن يكون الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم الدولة الفقرة الرئيسة والوحيدة في برنامج البيت الأبيض ليوم الأحد، بدا أن الحادث –على أهميته المفترضة- مجرد تفصيل ثانوي وصغير أمام الموضوع الأساسي في أجندة "ترامب" حول سوريا، ألا وهو النفط وكيفية الاستيلاء عليه، بذريعة "تأمينه".

وكمؤشر إحصائي بسيط، فقد تكررت مفردة النفط (oil) بحرفيتها في خطاب "ترامب" بشأن مقتل "البغدادي" 22 مرة، وأكثر من تكرار مفردة "البغدادي" الذي عقد زعيم البيت الأبيض مؤتمره للإعلان عن مصرعه، بوصفه الإرهابي الأخطر في الكوكب.
هذا في الشكل، أما في المضمون فقد أعلن "ترامب" عزمه القاطع على وضع حقول النفط السوري في شرق وشمال البلاد تحت سيطرة وإدارة "واشنطن"، التي من حقها أن تحصل على "حصة" منه، تجنبا لتكرار "التجربة السيئة" التي وقعت فيها إدارتا "بوش" و"أوباما" بشأن النفط في كل من العراق وليبيا.

*مذبحة الخنازير
استخدم "ترامب" في سبيل تظهير استراتيجيته الحقيقية في سوريا الكلمات المباشرة والتي لا يمكن أن تحتمل أي تأويل، فتحدث علنا عن كون النفط "شيئا ثمينا للغاية"، وعن "كميات ضخمة" منه في سوريا وعن "خزان نفط كبير تحت الأرض" السورية، قارنا هذا الحديث بتحذيرات جدية من أن "واشنطن" ستقاتل كل من يحاول الاقتراب من هذا النفط والاستيلاء على منابعه، وأن مصيره سيكون "الجحيم"، في إشارة خفية منه إلى ما اصطلح على تسميته "مذبحة الخنازير"، عندما صب الأمريكان نار حممهم على مجموعة كبيرة من المرتزقة الروس فأحرقوهم وقطعوا أوصالهم وأبادوا منهم قرابة 220 مرتزقا، كان يحاولون التقدم نحو أحد حقول النفط في دير الزور مطلع شباط/فبراير 2018.

وفي خضم تكرار مفردة "النفط" بين جملة وأخرى، لم ينس "ترامب" أن يرسل إشاراته الصريحة إلى الجميع بأن لاشيء يهمه في سوريا ولا حتى المنطقة برمتها سوى هذا النفط، لا تركيا ولا "الحلفاء الأكراد" ولا غيرهم، فليتقاتل الجميع فيما بينهم كما يريدون، فواشنطن لن تحرس أحدا ولن تتولى مهمة حمايته، وقد انسحبت كليا من المشهد، ولم تبق على بعض جنودها سوى في سبيل "تأمين النفط".

وذهب "ترامب" أبعد في إعلان تحرقه لسرقة النفط السوري واستعجاله هذا الأمر، فأعلن أنه بصدد عقد صفقة مع "إكسون موبيل" أو غيرها من شركات النفط الأمريكية الضخمة، من أجل استلام زمام استخراج الذهب الأسود من الحقول التي دمرت الحرب قسما من بناها التحتية وخربت الآليات والمعدات اللازمة لحسن سيرها.

وحتى لايشكك أحد بعزم "ترامب" أو يذهب للقول بأن "الرئيس" يطلق بالون اختبار ليس إلا، فقد ذكّر زعيم البيت الأبيض خلال مؤتمره الصحفي المخصص لـ"قتل البغدادي"! أنه عارض وبشدة الانسحاب الأمريكي من العراق وعدم وضع "واشنطن" يدها على نفط هذا البلد، وهذا ما خلّف في حلق "ترامب" حينها مرارة أقسم أن يتداركها حين يصبح في موقع القرار، تماما كالمرارة التي خلفها "تقاعس" سلفه "أوباما" عن سرقة نفط ليبيا.

وقد شرح "ترامب" بإسهاب ودونما خجل، كيف كان على "واشنطن" أن تسترد تريليونات الدولارات التي أنفقتها على غزو وتدمير العراق، من جني عائدات نفطه!، بدل أن تتركها في يد حكومة لا تمنح الشركات الأمريكية ما ينبغي أن تحوزه من "امتيازات".

ولو تم تبني اقتراح "ترامب" حينها بالاستيلاء على النفط العراقي، لكن المشهد قد تغير كليا في هذا البلد، ولباتت حكومته منصاعة كليا لواشنطن، لأن العراق سيكون مدينا بمبالغ طائلة للولايات المتحدة، حسب تعبير زعيم البيت الأبيض.

*أهنئك
دعوات "ترامب" لسرقة نفط العراق وليبيا من أجل تسديد فاتورة التدخل العسكري الأمريكي فيهما، وتعويض شيء من الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالغزاة وليس بالضحايا!.. معروفة وليس جديدة، ولكن الجديد فيها هو زجها في إطار الحديث عن سرقة النفط السوري، للتأكيد على أن الرجل الذي كان محروما من تنفيذ هذه الدعوات لبعده عن مركز القرار حينها، صار بإمكانه أن يطبقها بعد أن بات الآمر الناهي، وللتأكيد أكثر على أن هذه الدعوات للسطو على ثروات الشعوب لم تكن مجرد دغدغات لمشاعر فئة من الناخبين، بقدر ما كانت وستبقى في صلب عقيدة "البزنس مان" الذي قفز إلى كرسي الرئاسة.

واللافت أن هذه العقيدة ليست متجذرة لدى "ترامب" لوحده، بل إنها أيضا متجذرة لدى من يفترض أنهم ألد خصومه وأشد المنتقدين لسياسته، ونعني به السناتور الجمهوري النافذ "ليندسي غراهام" والذي كان طوال السنوات الماضية يلبس لبوس مناصرة "الشعب السوري" ومعاداة نظام الأسد.

فقد أعلن "غراهام" عن تأييده المطلق لخطة سرقة النفط السوري، بل إنه هنأ "ترامب" على هذه الخطة، لأنها ستحول دون وقوع عائدات النفط الضخمة في "الأيدي الخطأ" حسب تعبير السناتور، الذي عارض "ترامب" واصطدم به عشرات المرات.

وفي مقابل كل هذا الإسهاب والفجاجة في الإعلان عن وضع النفط السوري في قائمة الغنائم الأمريكية (سبق لترامب أن استخدم مصطلح الغنائم في حديثه لإحدى الشبكات الأمريكية، قائلا إن المنتصر في الحرب هو الأحق بالغنائم)..  في مقابل كل هذا جاء الرد من موسكو باردا، متهما واشنطن بممارسة "لصوصية الدولة" فيما يخص النفط السوري، دون أن تقول روسيا لماذا لا تعمل على إيقاف هذه اللصوصية باعتبارها –أي موسكو- المتحكمة بالقرار في سوريا، وصاحبة الوجود "القانوني" فيها باعتبارها "مدعوة" من "الحكومة الشرعية" لحفظ سيادة ووحدة واستقلال سوريا، وللدفاع عنها بوجه "العصابات الإرهابية وقوى الغزو الأجنبية".

*لسنا على الهامش
ولكن هل بقي في سوريا بالفعل من النفط ما يستحق السرقة، وما يستحق إعلان الحرب والتهديد بفتح طاقة الجحيم على كل من يحاول الاقتراب منه.. لا شك أن إجابة هذا السؤال بسيطة ومعقدة في نفس الوقت.. بسيطة إذا ما سلمنا بالأرقام المعلنة، ومعقدة إذا ما أردنا الاستناد إلى من يملكون مفاتيح التقديرات الصحيحة.

إن أكثر ما استفاده الأمريكيون من دخولهم إلى سوريا تحت ستار محاربة تنظيم الدولة ومساعدة المليشيات الكردية هو مسحهم للمخزون النفطي السوري وسبرهم لأعماق آباره ووضع تقديرات مباشرة لما تحويه هذه الآبار في بطنها من ثروات، ولابد أن التقديرات كانت من الضخامة بمكان جعلت "ترامب" نفسه يصفها بالكميات الكبيرة.

نظريا، وحسب كتاب الحقائق الذي تحدّث وكالة المخابرات الأمريكية بياناته بشكل دوري، فإن سوريا لديها مخزون نفطي يعادل 2.5 مليار برميل، وهو ما يكفي إنتاج 19 سنة متواصلة دون توقف، على فرض الإنتاج بوتيرة تقارب ما كان قبل اندلاع الحرب (350 ألف برميل يوميا، ونحو 127 مليون برميل سنويا تقدر قيمتها بنحو 7.5 مليار دولار، على فرض سعر وسطي للبرميل يعادل 60 دولارا).

ومن المعلوم أن احتياطات النفط والغاز المعلنة، لا تشكل مهما بلغت صحة تقديراتها سوى جانب من الاحتياطات الحقيقة لأي دولة، لأن الإعلان عن هذه الاحتياطات بحجمها الفعلي يبقى سرا من أعمق أسرار أي دولة، فضلا عن أن احتياطات الثروات الباطنية تبقى رهنا بالتبدل نتيجة ما يطرأ من اكتشافات جديدة، والتي يمكن أن تضاعف احتياطي النفط والغز لأي دولة بين ليلة وضحاها.

وأن الأمريكان اليوم، وليس أي طرف آخر، هم أفضل من يحتفظ بالبيانات الدقيقة والمحدثة لمخزون النفط السوري، في شرق وشمال البلاد، نتيجة انخراطهم اللصيق والحثيث في هذا الملف، حيث سارعوا مباشرة إلى منابع النفط، تاركين للآخرين الاقتتال على "مكاسب" أخرى.

طبعا، المخزون النفطي السوري -حتى مع احتمالات تضاعفه- يبقى متواضعا أمام المخزون النفط لبلد كالعراق أو ليبيا، لكن سوريا في النهاية ليست بلدا على الهامش في هذا الخصوص، فهي تحتل المرتبة الثلاثين على مستوى دول العالم فيما يخص حجم الاحتياطي النفطي، والمرتبة 40 في مخزون الغاز الطبيعي، وهما بلا شك ثروتان تسيلان لعاب "ترامب" الحريص على "حلب"  كل قطرة من ثروات المنطقة، وحتى آخر قطرة إن استطاع.

وأخيرا، فإن الولايات المتحدة تعد أكبر منتج للنفط في العالم، ولكنها بالمقابل أكبر مستورد للنفط في العالم أيضا، قياسا إلى حجم اقتصادها وبناها التي تحتاج ضخ ملايين البراميل في شرايينها يوميا، حتى إن الولايات المتحدة تستورد أكثر بنحو 1.2 مليون برميل يوميا مقارنة بالصين، علما أن سكان الأخيرة يفوقون سكان الولايات المتحدة بأكثر من مليار نسمة! (تستورد الولايات المتحدة يوميا نحو 8 ملايين برميل).. ومن هنا يتضح ما يمكن أن يلعبه النفط السوري في المعادلة الأمريكية، هذا إن أبقينا على الأرقام المتداولة للمخزون والإنتاج (2.5 مليار برميل احتياطيا تقدر قيمتها بنحو 150 مليار دولار، 350 ألف برميل إنتاجا)، أما إن كانت هذه الأرقام أعلى –وهو الأرجح- فإن الإعلان عن مصرع البغدادي لم يكن سوى قشرة المؤتمر الصحفي لترامب، أما لبه فهو نفط سوريا.

زمان الوصل - خاص
(209)    هل أعجبتك المقالة (215)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي