"باجر (غدا) يكبرون الزغار (الصغار) ويزيحون الغبار" تكرر "أم عبود" هذه الجملة معلنة أملها بغد أفضل، حين يكبر صغارها ليحلوا محل والدهم الذي قتلته ألغام عششت بين جدران منازل مدينة الرقة.
تبذل "أم عبود"(27 عاما) ، وهي أرملة أحد مقاتلي "لواء ثوار الرقة"، كل جهدها لإعالة 7 أطفال أكبرهم 10 سنوات مع جدهم لأبيهم، وذلك بعد مقتل زوجها "حسن" الملقب محليا في حي الرميلة بـ "شارون".
فمع طلوع الشمس تخرج السيدة مع ابنها الأكبر "عبود" (8 سنوات) لتأمين الخبز من الفرن للحصول على وزنة خبز مدعوم، لكن جودته سيئة، ولا حيلة بيدها سوى شراء هذه الخبز، لأن ثمن رغيف سياحي يعادل ثمن ثلاثة أرغفة من الخبز المدعوم المليء بالشوائب ووغير الناضج.
هذا الجزء من حياة السيدة، لازمة صباحية تبدأ فيها حياتها اليومية قبل الذهاب للمدرسة حيث تعمل كمعلمة، لكن ضآلة الراتب مقارنة بمصاريف عائلة مؤلفة من 7 أطفال وجدهم المقعد يجعلها تلجأ إلى بيع البنزين في بسطة صغيرة على "رأس الحارة" (زاوية الشارع) بعد نهاية الدوام المدرسي.
لم تكن "أم عبود" تتوقع حين انحل "لواء ثوار الرقة" بضغط من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أن يقتل زوجها "شارون" رغم توقفه عن القتال بألغام تنظيم "الدولة الإسلامية"، أن ينتهي بها الحال قتيلا على يد ذات الجهة التي شارك في مقارعتها طويلا إلى جانب قائد اللواء "أبو عيسى".
حركة "أم عبود" بين عملها وبيتها الطيني توحي بحياة رتيبة لا جديد فيها سوى المزيد من التعب، وأمنيات لا تتحقق وعلى رأسها القدرة على الاشتراك بخط كهرباء 2 أمبير كباقي منازل الحي، ليستطيع أولادها مشاهدة البرامج التلفزيونية، لكن السيدة تصبر على الفقر والشقاء على أمل واحد وهو أن يكبر أولادها ويعوضونها تعاسة هذه الأيام على أساس مقولة رقاوية: "باجر يكبرون الزغار ويزيحون الغبار".
ولم يكن في الإمكان الحصول على أعداد النساء اللواتي يشاركن "أم عبود" في الرقة ظروفها القاهرة، لكن الأرقام تقول إن أكثر من 1200 شخص لديه حالة بتر بأحد الأطراف أو أكثر نتيجة الألغام في مدينة الرقة.
والتحق "شارون" بـ"لواء ثوار الرقة"، ليعمل بالمكتب الإعلامي للواء بعد أن كان مدرسا ومديرا لمدرسة "صفيان" بمنطقة "تشرين" منذ تخرجه من المعهد الرياضي عام 2009، وبعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" –الصاعد آنذاك- على مدينة الرقة، اعتقل مرتين حين وشت به امرأة للجهاز الأمني للتنظيم، واتهمته بالتخابر مع قائد اللواء "أبو عيسى".
بعد هزيمة تنظيم "الدولة" بالرقة، كان يحصل على راتب من "لواء ثوار الرقة" مقداره 19 الف ليرة سورية، وبعد حل اللواء واعتقال قائده "أبو عيسى" على يد "قسد" عرض عليه عمل براتب 300 ألف ليرة سورية ضمن مكاتب الإدارة الذاتية، لكنه رفضه متأثرا بما حصل لعناصر اللواء وقائدهم.
وحاول "شارون"، رغم تركه العمل العسكري، البحث عن مصدر رزق جديد لتأمين طعام أطفاله وما يسد رمق العائلة، فعمل بنزع الألغام من 300 منزل للسكان العائدين إلى الرقة، وبعد أشهر، من العمل في هذه المهنة الخطرة، أصيب بانفجار منزل ملغم بمنطقة "بريد الدرعية" لينقل إلى المستشفى.
ولعب "لواء ثوار الرقة" دورا بارزا في دعم "وحدات حماية الشعب" لتنال شرعية القتال خارج المدن والبلدات الكردية الحدودية والتعمق ضمن المناطق العربية وعلى رأسها الرقة.
وقضت ميليشيات "قسد" نهاية أيار مايو/2018 على "لواء ثوار الرقة" بعد الهجوم على مقره في حي "الرميلة" على أطراف مدينة الرقة الشمالية الشرقية بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية