"عندما تعود من سوريا، لا تجيب معك برازق، نريد المخطوفين وأولهم زوجي" هذه الصرخة التي وجهتها سيدة لبنانية الى الوزير "جبران باسيل"، تختصر ملفاً لبنانياً، "أهلياً ورسمياً"، فتح مع أول دخول لجيش الأسد إلى لبنان، ولم ينته عند حصار ذاك الجيش للقصر الرئاسي في "بعبدا"، واستمر إلى ما بعد الخروج الرسمي للجيش ذاته، من البلاد، مع بقاء أدواته ووكلائه، وصولا إلى الآن.
قائمة طويلة وموجعة، لمخطوفين، مجهولي المصير، معلومي الخاطف، أفراد لبنانيون، رجال ونساء، فتية وعجائز، جلهم مدنيون، وبعضهم أتباع أحزاب بيسارها ويمينها، وبينهم جنود وضباط في الجيش اللبناني، اعتقلتها جحافل الجيش الأسدي، حين حاصرت قصر الرئاسة، بُعيد هروب الرئيس العتيد آنذاك، الجنرال "ميشال عون"، إلى السفارة الفرنسية، "بالبيجاما"، تاركاً عناصره، وجيشه، وبلده، تحت رحمة "الأسديين".
*45 ألف مذكرة ملاحقة
تؤكد معلومات "زمان الوصل"أن آلاف اللبنانيين ملاحقين حتى يومنا هذا من قبل نظام بشار الأسد، إذ ورث قائمة ثقيلة من المطلوبين اللبنانيين من نظام الأسد الأب... وأضاف اليها الآلاف.
وبحسب معلومات رسمية بالأسماء، فإن أكثر من 45 ألف لبناني، صدر بحقهم مذكرات أمنية من نظام الأسد، بين الإعتقال وحظر دخول إلى سوريا، ومنع منح إقامة، ومذكرات مراجعة للمخابرات، والأخيرة غالبا ما تسفر عن اعتقال وتغييب ومنهم اعتقل بالفعل، وهو رقم كبير جدا بالنسبة لعدد اللبنانيين المقيمين في لبنان، والمقدر بـ 4.2 مليون نسمة.
* هكذا تلاعب النظام بملف المفقودين
المذكرات تفضح أولاً أكاذيب نظام الأسد، حول هذا الملف، خلال سنوات طوال، إذ لطالما أنكر وجود معتقلين لبنانيين في سجونه، وأحال مسؤولية المفقودين إلى الحرب الأهلية وميليشياتها، وإن كان يعترف بين الحين والآخر بوجود بضع عشرات من المعتقلين، وكسجناء جنائيين غالباً.
في إحدى محاولاته للإلتفاف على موضوع المغيبين اللبنانيين، إبان تنصيب الأسد الأبن رئيسا، عقب تعديل الدستور الشهير، سلم نظام الأسد، نهاية عام 2000 السلطات اللبنانية 54 معتقلا وصفوا بأنهم "قاموا بأعمال ضد الجيش والدولة السورية"، وأنهم "جميع" المعتقلين السياسيين اللبنانيين لديه، كما سُلمت لائحة بأسماء موقوفين بجرائم جنائية، لم تزد عن مائة اسم، فقامت جمعيات محلية بتقديم لوائح بأسماء 270 شخصاً، مع دلائل على وجودهم في السجون الأسدية، ما أدى لتشكيل لجنة وزراية لبنانية (في حكومة الراحل رفيق الحريري) خاصة بالمفقودين "جراء الحرب"، والمعتقلين في السجون السورية، والمفارقة أن أولى تقارير اللجنة، تضمنت عدداً من أسماء اعتقلوا بعد تشكيلها، ما يعكس وقاحة بالغة في التعامل الأمني الأسدي مع هذا الملف، ومع لبنان ككل.
*ملف المعتقلين لتلميع صورة "عون"
في أرشيف "زمان الوصل"، أيضا، وفي سياق الوثائق المتصلة بالموضوع، عثرنا على وثيقة تتضمن مقترحاً من "هشام اختيار" رئيس مكتب الأمن القومي (آنذاك) للعفو عن معتقلين لبنانيين في سوريا بتوقيت يخدم مصلحة "حسن نصرالله" و"ميشيل عون" العائد من فرنسا، عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وجاء الاقتراح -وفق الوثيقة- بطلب من الجنرال "عون" نفسه. الوثيقة اعترفت بوجود 38 معتقلا لبنانيا، واقترحت تسليمهم للبنان، في خطوة تصب في رصيد "نصر الله- عون"، وكشفت الوثيقة حقيقة موقف الجنرال "عون" من القوى اللبنانية الداعية لخروج القوات السورية، موضحة أنه "مرغم على الظهور بمظهر الداعم لتحرك منظمة "سوليد" التي أنشئت لمتابعة ملف المعتقلين والمفقودين اللبنانيين لدى نظام الأسد، "كونه -أي عون- يعلم حقيقة نوايا قوى 14 شباط، ولا يمكنه ترك هذا الملف لاستغلال تلك القوى، وتكريس نفسها كمدافعة عن المعتقلين في سوريا وخصوصا القوى المسيحية منها". وأوضحت الوثيقة اعتراف النظام السوري بالتشويش على عمل منظمة "سوليد" من خلال ترخيص جمعية سورية للمفقودين السوريين في لبنان بالتنسيق مع بعض "القوى" اللبنانية، والترويج لملف "مفقودين سوريين" بلغ عددهم 1090 بينهم 283 عسكريا، كما تقول الوثيقة.
وبناء على ذلك تم تشكيل لجنة مشتركة بالاتفاق بين البلدين لبحث مفقودي كل بلد لدى الآخر.
وأكدت الوثيقة أن الجانب اللبناني طالب السوري بحذف أربعة أسماء من المفقودين بعد الحصول على جثثهم في مقبرة جماعية في لبنان، الفكرة التي تلقفها نظام الأسد ليخطط بأن يجعل مصير أي معتقل لا يرغب الإفصاح عنه كمصير هؤلاء، أي في مقابر جماعية حدثت أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
وكشفت الوثيقة أن الجانب اللبناني حدد عدد المفقودين اللبنانيين في سوريا بـ 153 لبنانياً، الأمر الذي اعترف به النظام السوري رغم توصيفه لمعلومات الجانب اللبناني بأنها "ادعاءات"، وقال إن المفقودين الـ153 موقوفون في سوريا بجرائم مختلفة، مؤكدا إخلاء سبيلهم.
وفي السياق كانت "زمان الوصل" كشفت عن وثيقة في آذار مارس/2014، تضمنت أسماء 107 معتقلين بينهم نساء بتهم مختلفة، تم اعتقالهم قبل 2008.
ملف المفقودين اللبنانيين، الذين اختفوا عبر مراكز "عنجر" و"البوريفاج" و"جب جنين"، لازال ساخنا، وتلك السيدة التي وجهت صرختها للوزير "باسيل"، الذي يقصد زيارة "الأسد"، لا زالت تنتظر منذ 37 عاما معرفة مصير زوجها.. فهل يأتي اليوم الذي تتكشف فيه كل الحقائق، عن سجون ومعتقلات وأقبية "الأسد"..
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية