أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تركة ثقيلة بين يدي رئيس الوزراء سعد الحريري.... مهى عون

 

 إذا كانت الانتخابات البرلمانية في لبنان عملية ميسرة ومسهلة في غالبية الأحيان، فتشكيل الحكومات كانت وما زالت تحول دونها عقبات جمة، وذلك عائد بالمجمل لسببين رئيسين. أولهما الالتباس الذي يشوب النص الدستوري ذات الصلة، والذي يتكلم عن  ضرورة إشراك كل الأطراف والأطياف في السلطة، ولا سيما الفقرة "ي" من مقدمة الدستور . وهذا النص الذي ينفي الشرعية عن كل سلطة لا تمثل العيش المشترك ، يغيب  في الوقت ذاته إرادة المواطنين الحقيقية الناتجة عن الانتخابات، ويشرع الأبواب بالتالي لقيام عمليات الجدل والمناكفات والمشدات، التي تلي وقد تستبق أحياناً نتائج الانتخابات النيابية، مما يؤدي إلى المماطلة في تشكيل السلطة التنفيذية وإلى إرجاء كل ما يهم المواطن من تصديق على مشاريع وإصدار تشريعات وتعيينات وغيرها.  أما العامل الثاني فيكمن في القابلية المفرطة، والشراهة لاحتلال مراكز القوى في الدولة ،ضمن عملية إهمال فاضح، واحتقار صارخ للمصلحة العامة، ولمصلحة المواطن في الدرجة الأولى.
 هذا مع العلم أن أزمة العجز أمام تشكيل الحكومات في لبنان تفاقمت خلال العقدين الماضيين مع صعود قوة موازية لقوة الدولة، التي من المفترض أن تختزل القوة كما تقول معظم كتب وكراريس العلوم السياسية.. وهذا ما نراه في الخليط الغريب من مواقف الزعماء الرئيسيين في لبنان. فمنهم من يتمسك بشرعية اقتناص حقوق في السلطة لا تعود إليه نتيجة الانتخابات، كونه الخاسر فيها، وبالمقابل نرى عند الفريق المنتصر في الانتخابات وبدافع الرغبة في حلحلة العقد التي تحول دون تشكيل الحكومة، استعداده للتنازل عن حقوق مشروعة أودعها الشعب بين يديه إبان الانتخابات النيابية، وبالتالي إئتمنه على المحافظة عليها وعدم التنازل أو التفريط بها .
 والمواقف المتضاربة للطامحين للتوزير داخل التيارات والأحزاب الطائفية ، وفيما بينها وبين التيارات المقابلة، ما زالت وحتى كتابة هذه السطور تتناقلها الوسائل الإعلامية ودون هوادة. إلا أنه يمكن استخلاص الخطوط الرئيسية والتي باتت من الثوابت المتفق عليها لتشكيل الحكومة العتيدة ، ومنها اعتماد الحكومة الثلاثينية، وتمثيل المرأة ب 4 أو 5 وزارات، كما أيضاً استبعاد توزير الراسبين في الانتخابات النيابية السابقة، وإعطاء حصة وازنة لرئيس الجمهورية تكون بين خمس أو ستة وزراء، على يكون وزيرا واحدا تسميه المعارضة الوزير السادس ضمن الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية. وهو ما كان يطلق عليه قبيل تشكيل حكومة السنيورة بالوزير الملك. أي الوزير الذي يضع رجلا في حقل 8 آذار، ورجلاً أخرى في حقل 14 آذار، مع احتمال تعرضه في حال حصول تباعد بين هذين الحقلين بسبب طرح مواضيع دقيقة وحساسة "كالإستراتيجية الدفاعية" أو "مصير سلاح حزب الله"، إلى عملية انفساخ قاتلة.
 في كل الأحوال بوزير ملك أو بدونه، من المتوقع أن ترى حكومة الرئيس الحريري النور،خلال الاسبوع المقبل ، على قاعدة 15 وزيراً لفريق 14 آذار، و10 وزراء لفريق 8 آذار مع الابقاء على حصة رئيس الجمهورية، بما معناه أن الأزمة سوف تستمر في الحكومة المقبلة مثلما كان الحال بالنسبة لحكومة السنيورة. أي أن العشر وزراء بيد فريق 8 آذار سوف يشكلون قوة ثابتة ومعطلة لصدور أي قرار في الحكومة يتطلب إجماعا أو بأكثرية الثلثين. خاصة وأن الضمانات المقترحة من قبل فريق 14 آذار لثني فريق 8 آذار عن التمسك بالثلث المعطل لم تكن مقنعة ولا مطمئنة بالقدر الكافي، نسبة لكلام صادر عن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لزواره في الآونة الأخيرة. إذ أعلن أن الثقة مفقودة بالنسبة لفريق السلطة وأنه ما من شيء يؤكد أن لا  تكون  الضمانات التي يتكلمون عنها تشابه الضمانات التي كانت واردة ضمن نص البيان الوزاري لحكومة السنيورة، الداعم للمقاومة ولكل اعتدتها الدفاعية ومن ضمنها شبكة الاتصالات السلكية، وتم الخروج عنها حسب رأيه،بالقرارين الشهيرين، مما استولد أحداث 8 أيار في بيروت والجبل. بما يعني أن الحزب سوف يظل على موقفه فيما خص تشكيل الحكومة اليوم، استجابة للشارع الشيعي التابع للحزب، ونسبة لارتفاع درجة ارتياب هذا الشارع وحذره تجاه تصرفات وممارسات ومواقف الزعماء السنة قبل وخلال الانتخابات النيابية.
 وفيما تتهم قوى الموالاة الفائزة بالانتخابات القوى المعارضة التابعة لحزب الله بنية التعطيل، ترفع قوى 8 آذار بالمقابل تسمية بديلة وهي "الحصة التمثيلية النسبية " نسبة لنتائج الانتخابات النيابية كما جاء على لسان  "الناطق بلسان حزب الله" النائب ميشال عون، والذي كان حتى البارحة يرفض تسمية التصاقه بحزب الله بالتبعية أو حتى بالتحالف، ويفضل عليها تسمية التعاون نسبة لورقة التفاهم المبرمة مع حزب الله بتاريخ 6 فبراير(شباط)2006. ولكنه مع الوقت تخلى عن هذا العنفوان الشكلي ، وهذه العنجهية المفرطة، بعد أن تحول إلى مجرد واجهة سياسية لحزب الله، يتحمل تبعات أخطاء الحزب، ويتلقى كل ما يقذف بوجهه من تهم وانتقادات بالنيابة عن الحزب .
 وأن ينفي فريق 8 آذار تسمية "الثلث المعطل" ويسميها ب"الثلث الضامن"أو "الحصة النسبية" لن يغير شيئاً في المعادلة ولا في مضمون مهمة الرئيس الحريري في المستقبل ولا في مسار حكومته التي لا تبدو مختلفة كثيراً عن حكومة السنيورة السابقة. بيد أن الرئيس الحريري ما زال يصر على تسمية هذه الحكومة العتيدة المنتظرة بحكومة "الوحدة الوطنية"، أو بحكومة "الوفاق الوطني" نسبة للديمقراطية التوافقية الذائعة الصيت والتي هي في الواقع وراء كل هذه البلاوى. يبقى أن كل ما يمكن أن يتمناه أي مواطن لبناني وإلى أي فئة أو ملة انتمى هو التوفيق للشيخ سعد الحريري، هذا الشاب الآدمي والمتفائل والطموح ، والمزمع والمقرر على تخطي جميع المطبات والمصاعب من أجل مصلحة الوطن والمواطن. وعلى قاعدتي "تفاءلوا بالخير تجدوه" "وحسب نواياكم ترزقون" فلنتفاءل مع الشيخ سعد، ربما جاءنا السعد في لبنان على وجهه، والله على كل شيء قدير   
 
                                        

كاتبة وباحثة سياسية لبنانية
(88)    هل أعجبتك المقالة (89)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي