بعد مضي قرابة السبعة أشهر على مبادرة المصالحات التي بادر إليها العاهل السعودي في قمة الكويت، ما زالت مساعي المملكة العربية السعودية منطلقة، لتفعيل مسار التقارب العربي بهدف توحيد الكلمة والصف ، درأ للرياح العاتية والمتوقع قدومها على منطقة الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة. حراك مكثف وحثيث ظهرت بوادره في الزيارات المتبادلة بين الرئيس المصري والعاهل السعودي، إذ لم يمضي يومين على زيارة الرئيس المصري إلى السعودية لمقابلة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، حتى توجه العاهل السعودي بدوره لمنتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر، للقاء الرئيس المصري من جديد ضمن قمة تحولت إلى رباعية بانضمام أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني إليها لاحقاً كما وملك البحرين حمد بن عيسى. ولقد أجمعت حينها الصحف المصرية على التأكيد على أهمية الدور السعودي، ومحورية مساعي خادم الحرمين الشريفين في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف العربية. ولقد انعكست هذه المساعي تحسناً في العلاقات العربية- العربية خاصة بين مصر وسوريا، وبين قطر وباقي الدول العربية الأخرى. وفي سياق برنامج استكمالي لهذا التواصل العربي على مستوى القيادات توجه وفد سعودي إلى دمشق برئاسة ولي العهد عزيز بن عبدالله، مصحوبا بوفد عال تمثل بوزير الإعلام الدكتورعبد العزيز خوجا، وعبد السلام التويجري مستشار الديوان السعودي. زيارة تمهيدية تهدف للتحضير للقاء القمة المتوقعة بين العاهل السعودي والرئيس السوري بشار الأسد. وهي قمة سوف تشكل تتويجا لرغبة ونية المملكة لإعادة الدفء للعلاقات مع دمشق، وللدفع باتجاه إحياء التواصل الذي شابه ما شابه من برودة وجفاء بعد عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أما وقد أصبح هذا الملف بعهدة المحكمة الدولية، والتي أثبتت في الآونة الأخيرة تجردها وعدم انحيازها وعدم تأثرها بأي من الأطراف المعنية بعملية الاغتيال.
كل الحراك المكثف والذي تقوده المملكة، إن دل على شيء فهو يدل على قلقها حيال خطورة المرحلة المقبلة، والتي سوف تشهد ارتدادات الأحداث والمتغيرات التي طرأت على الساحة الشرق أوسطية في الآونة الأخيرة ،ومنها التعنت الإسرائيلي تجاه عملية السلام، والذي ظهر جليا من خلال خطاب نتانياهو الأخير، كما انسحاب القوات الأميركية من العراق، وموجة الاحتجاجات التي تلت الانتخابات في إيران. تخوف وقلق يفسر بروز الحاجة العربية المشتركة للالتحام وتخطي الخلافات الداخلية لتدارك هذه التداعيات متحدين ومتعاونين ومسلحين بموقف واحد وكلمة واحدة. والدول الأقطاب كالسعودية ومصر وسوريا أصبحت معنية مباشرة وأكثر من ذي قبل، بتخطي خلافاتها القديمة، تمهيدا لانعكاس هذا التقارب إيجابياً على الملفات العربية والأزمات العالقة، مثل الخلاف المستفحل داخل البيت الفلسطيني، وأزمة الثقة القائمة بين مختلف الأطراف السياسية في لبنان والتي ما زالت تحول دون تشكيل حكومة في لبنان تكون عن حق منسجمة ، وحكومة وحدة وطنية فاعلة.
زائد القلق المتأتي من هذين الملفين العالقين، وجع الرأس القادم من داخل العراق بعد عملية انسحاب القوات الأميركية، والذي من الممكن أن يمهد كما يرى بعض المراقبون لعودة أنشطة تنظيم القاعدة إلى الداخل العراقي ، وانطلاقاً من هذا الداخل باتجاه كافة الأقطار العربية المجاورة. كما أنه من الوارد أن تستفيد إيران من خروج القوات الأميركية حتى تمِّكن قبضتها على المناطق التي تسيطر عليها حالياً في العراق، وهي إستراتيجية قد تفيدها على الصعيد الداخلي حتى تشد وتدعم وزر نظامها، والذي زعزعت أواصره الضربة القوية والمباشرة الناتجة عن موجة الاحتجاجات التي عمت كافة المناطق الإيرانية بعد الانتخابات الرئاسية. هذا مع العلم أن الأحداث الداخلية في إيران قد تشرع الأبواب لتنمية الدوافع الاسرائيلية لضربة عسكرية عليها، مستغلة الضعف والوهن الذي أصاب الداخل الإيراني. ومشروع الضربة العسكرية الاسرائيلية على إيران قد يكون في مقدمة الأهداف التي حملت رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، إلى زيارة مختلف الدول الأوروبية الفاعلة في الاتحاد الأوروبي، والتي لم توفر النظام الإيراني من سهام انتقاداتها وملامتها على التمادي في استعمال العنف مع المحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية. كل هذا والولايات المتحدة تلتزم جانب الحياد الايجابي حتى لا تعطي ذرائع وأوراق للسلطة في إيران ترفعها بوجه المحتجين. وهناك طرح آخر وارد بقوة بعد تصريح نتانياهو الأخير والذي يهدد بتحميل الدولة اللبنانية مسؤولية إشراك حزب الله في الحكومة، مهددا بضرب كافة المرافق اللبنانية في حال قيام حرب مع حزب الله، والطرح يقول بأنه في حال لم تلقى إسرائيل الدعم الكافي لضربة توجهها للداخل الإيراني، قد تستعيض عنها بافتعال مناوشات على حدودها الشمالية تؤدي إلى حرب بديلة مع حزب الله. يبرر هذا الطرح تاريخ إسرائيل في التهرب من الاستحقاقات ومن ضرورة الرضوخ لرغبة الولايات المتحدة الدافعة باتجاه إتمام عملية السلام بموجب القرارات الدولية، ولإرادة الرئيس أوباما اليوم بالتحديد، والذي يحث إسرائيل على القيام ببعض التنازلات والتي أعتبرها نتانياهو مؤلمة وغير قابلة للتحقيق.
أمام سوداوية هذه الغيوم الملبدة في سماء المنطقة هل نستغرب بالتالي أو نتساءل حول قلق العاهل السعودي أو حول الدوافع التي حملته لتخطي كل الحواجز سعيا وراء التوحد والتضامن والتكاتف لمواجهة قدوم هذه المحن؟ والله على كل شي قدير.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية