كل المصطلحات أدناه يقصد منها الشق السياسي....
هنا بعيدا عن أعين الإعلام وفضول الصحافة، في قرية صغيرة لا يتعدى سكانها 2700 نسمة ومساحتها لا تتجاوز 2.5 كم مربع، يكمن على الأرجح واحد من أخطر أسرار صفقة الجولان وملحقاتها القاضية بتطويب "آل الأسد" حكاما أبديين على سوريا.
اسمها مكون من 5 أحرف، وهي أيضا خامسة قرى الجولان المحتل التي بقيت مأهولة بعدما هجر معظم الجولانيين من بيوتهم واقتلعوا من أراضيهم نتيجة الاحتلال، ولم يعد باستطاعتهم العودة إليها، حتى أولئك الذي ينتمون لمناطق جرى "تحريرها" إبان حرب 1973.
إنها بلدة "الغجر" التي لا تمثل اليوم التجمع العلوي الوحيد الباقي في الجولان المحتل وحسب، بل هي أيضا القرية الوحيدة من بين القرى الخمس (مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنية) التي يحمل كل سكانها الهوية والجنسية الإسرائيلية، بخلاف القرى الدرزية الأربع.
أهل "الغجر" لم يكونوا سباقين فقط لحمل الجنسية الإسرائيلية، بل إنهم سبقوا جيرانهم في القرى الأربعة للمشاركة في الانتخابات ضمن الدولة العبرية، وهي النقطة التي سننطلق منها في تقريرنا المطول هذا، على أمل نبش المدفون ورواية ما لم يرو.
*نعم للمتطرفين
قبل أيام قليلة انقضت انتخابات الكنيست الإسرائيلي في دورتها 22، وبينما كانت وسائل الإعلام مشغولة بتقارير نمطية عن حظوظ الأحزاب المشاركة ونسب الاقتراع ونتائج الانتخابات وتأثيرها على عموم المشهد السياسي في الدولة العبرية.. كان أهل "الغجر" المحتلة يصوتون بهدوء لمجموعة من أعتى أحزاب الدولة التي تحتلهم؛ ليقولوا لها: "نعم" بملء الفم ومحض الإرادة.
وفي حين تواضعت نسب مشاركة الجولانيين إلى 15% أو 20% (كما في بقعاثا ومجدل شمس)، ارتفعت نسبة المصوتين من أهل "الغجر" إلى 43%، ومثّل عدد المصوتين في "الغجر" قرابة ثلثي الصموتين في عموم قرى الجولان المحتل، رغم أن عدد سكان القرى الدرزية الأربع يفوق سكان "الغجر" بـ9 أضعاف (يزيد عدد سكان القرى الأربع عن 23 ألف نسمة، بينما يقارب سكان الغجر 2700 نسمة).
المفاجأة التي فجرتها "الغجر" لم تكن فقط في "الكم" (عدد ونسبة الأصوات مقارنة بغيرها من القرى)، بل تمثلت أيضا في "النوع"، ونقصد به تحديدا نوعية وهوية الأحزاب التي اختار أهل "الغجر" أن يصوتوا لها.
ففي المركز الثاني خلف "حزب الليكود" الذي يقوده "نتنياهو"، أعطى أهل "الغجر" أصواتهم بشراهة غريبة لحزب "شاس" شديد التطرف، حيث إن ربع من اقترعوا في "الغجر" صوتوا لهذا الحزب، الذي يعد حتى في تصنيف بعض اليهود حزبا متطرفا للغاية (للمقارنة فقط، فإن أعلى ما حصده "شاس" في أحد معاقله الرئيسة هو 39% من نسبة المصوتين، بينما حصد في الغجر 25% تقريبا، أي إن "شاس" حصل على صوت من بين كل 4 أصوات في "الغجر").

و"شاس" الذي لا داعي للتفصيل في عقيدته وشعاراته، حتى لا نطيل، ليس فقط المؤشر الوحيد على توجهات أهل "الغجر" وميولهم، فهناك منهم من أعطى صوته أيضا لحزب "عوتسما يهوديت" (العظمة اليهودية)، الذي ينافس" شاس" في التطرف، ويتخذ من الإرهابي "مائير كاهانا" مرشده الروحي الأكبر (الإرهابي هنا وصف قانوني وحقيقي، حيث سبق للولايات المتحدة أن أدانت كاهانا بارتكاب أفعال إرهابية).
وبمثل ما خرج "شاس" و"عوتسما يهوديت" من مولد "الغجر" محملين بالأصوات، خرج "إسرائيل بيتنا" بزعامة المتطرف "أفيغدور ليبرمان" كذلك فرحا بما حصد من قبول في القرية الجولانية المحتلة، التي تقطنها الطائفة العلوية.
ولكن هذا أيضا ليس كل شيء، ففي حين كانت الأحزاب الصهيونية تحوز على "نعم" عريضة من أهل "الغجر"، كان على أكبر تحالف للأحزاب العربية (القائمة المشتركة) أن ينتزع الأصوات في هذه القرية بشق الأنفس، حتى إن هذا التحالف لم يحصد سوى أقل من ثلث ما حصده حزب "شاس" المتشدد لوحده، أما إذا قارنا ما ناله التحالف العربي بمجموع ما نالته بقية الأحزاب اليهودية من أصوات أهل "الغجر" فسنخرج بنتيجة مخجلة، لكنها في النهاية ذات امتدادات وإسقاطات تاريخية، سنفصل بعض جوانبها في سياق تقريرنا (حاز التحالف العربي على نحو 7% من أجمالي أصوات أهل "الغجر").
*لا للتحالف العربي
أما لماذا وصفنا نتيجة التحالف العربي في "الغجر" بالذات بأنها مخجلة، فلذلك عدة أسباب، أولها أن "القائمة المشتركة تضم ائتلافا واسعا من أحزاب وشخصيات ذات خلفيات دينية ومذهبية وسياسية متنوعة (مسلمون، مسيحيون، دروز، يهود.. قوميون، يساريون، إسلاميون، علمانيون..) وبالتالي فإنها بالفعل ائتلاف جامع لمعظم العرب المقيمين في الأراضي المحتلة، وقد عبر العرب عن ذلك فمحضوها قرابة 90% (في مناطقهم)، فيما كان نصيبها في "الغجر" 7 %!
هذا أولا، أما ثانيا فإن التصويت المتواضع من أهل "الغجر" لصالح التحالف العربي، يعكس إلى حد ما تناغما مع طروحات الأحزاب الصهيونية المتشددة، التي تريد القضاء على أي مشاركة للقوى العربية تمهيدا لصبغ الدولة ومؤسساتها بلون واحد، قوامه يهودية الدولة، قلبا وقالبا.
ومن المستحسن أن نذكر أن إطلاق القائمة المشتركة، جاء كرد فعل من الجانب العربي على حيلة قانونية ابتدعها "ليبرمان" بهدف حرمان الأحزاب العربية من الدخول إلى "الكنيست"، وقضت برفع عتبة الحسم (النسبة التي تخول أي حزب لدخول الكنيست) من 2 إلى 3.25%، وهنا شعرت الأحزاب العربية بعنق التحدي ووجدت نفسها تتوجه لتشكيل قائمة موحدة، استطاعت إفشال خطة "ليبرمان" وغيره من المتطرفين.

وبناء على هذه المعطيات، بات التصويت للقائمة المشتركة في أوساط العرب بمثابة قضية وجود في مواجهة تحدي الإقصاء اليهودي، إلى درجة أوصلت هذه القائمة لاحتلال المرتبة الثالثة بين أكبر الأحزاب في الكنيست، لكن أهل "الغجر" كان لهم رأي آخر، سنرى مصداقه في وثيقة تاريخية تتعلق بأقرانهم في الساحل السوري.
*خديعة الأربعين
تعود قصة توطن "العلويين" في الجولان المحتل إلى أيام السلطان العثماني "سليم الأول"، الذي دخل سوريا عقب معكرة "مرج دابق" عام 1516، فكان أن فر قسم من العلويين القاطنين في شمال سوريا نحو أقصى جنوبها، وهناك اختاروا الإقامة في 3 قرى، هي: الغجر، عين فيت، زعورة.
كانت "الغجر" سابقا تعرف باسم "طرنجة"، كما اقترح البعض لاحقا تسميتها "المثلث" كناية عن وقوعها في منطقة مثلث الحدود السورية الفلسطينية اللبنانية، لكن القرية بقيت محتفظة باسم "الغجر".
بقيت "الغجر" ضمن أراضي سوريا، حتى جاءت حرب حزيران عام 1967، حين احتلت إسرائيل مساحات واسعة من مصر وسوريا، بينما كانت الأخيرة تحت سلطة "حزب البعث" وكان جيشها تحت إمرة وزير الدفاع حافظ الأسد، الذي أمر بإذاعة إعلان سقوط القنيطرة عاصمة الجولان فيما كانت المدينة ما تزال بقبضة السوريين فعليا.

وبعكس القرى التي اجتاحها جيش الاحتلال سريعا وثبت فيها مواقعه، بقيت قرية "الغجر" وفق ما ثبت في روايات موثقة ومتواترة.. بقيت بعيدة عن أي احتلال مدة تقارب شهرين ونصف بعد سقوط كل المناطق المحيطة بها، وبقي جيش الاحتلال على تخومها ممتنعا عن دخولها، حتى...
حتى حصل ما لا يمكن تخيله في أكثر المشاهد السوريالية، فقد توجه أعيان "الغجر" وكبراؤها نحو الحاكم العسكري في جيش الاحتلال، وطالبوه بل توسلوا إليه أن ينظر في بسط كنف الاحتلال عليهم.
ومع كل ذلك التوسل والاستعطاف (بحجة أن مخازن البلدة نفدت من الطعام)، فإن الرد من الطرف الإسرائيلي لم يأت آنيا ولا حتى مريحا، بل جاء الرد على شاكلة الطلب (غريبا للغاية)، حيث فرض الاحتلال على القرية العلوية شرطا تعجيزيا، بل إنه في الحقيقة شرط مستحيل على قرية صغيرة كانت تعد يومها مئات قليلة من الأنفس.
كان شرط "تل أبيب" لإدخال "الغجر" تحت سلطة الاحتلال، أن تضم القرية 40 عائلة، وقد عمل سكان "الغجر" كل جهدهم للإيفاء بهذا الشرط، ليتحقق لهم مرادهم، فعمدوا إلى تكثير العائلات بشكل مفضوح، عبر إلحاق كل ذكر بالغ باسم عائلة مختلفة.
ولا يبدو هنا أن الدولة العبرية كانت ساذجة إلى درجة مرور هذه الحيلة عليها، ولكنها قبلت بتمريرها واعتبرتها "عربون مودة وصداقة"، وفهمت الرسالة التي أراد علويو "الغجر" إيصالها، واستجابت لهم ببسط الاحتلال عليهم.
هذه القصة التي حاول نظام الأسد دفنها طويلا، لما تحمله من دلالات مشينة، سبقتها بعقود قصة مماثلة في محتواها وأهدافها، لخصتها بكل وضوح الوثيقة التي رفعها وجهاء علويون للسلطات الفرنسية، وكان من بين الموقعين عليها جد حافظ الأسد.
*2019 يترجم 1936
بقيت قصة هذه الوثيقة بين مصدق ومكذب، حتى طفح كيل "لوران فابيوس" وزير خارجية فرنسا ذات يوم في مجلس الأمن، وفضح أمرها على الملأ، حيث قال يومها مخاطبا مندوب النظام في المجلس "بشار الجعفري": "كفاك إشباعنا آراء ونظريات.. وبما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي أن أذكّرك أن جد رئيسكم الأسد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سوريا وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثيقة رسمية وقع عليها، وهي محفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية، وإن أحببت أعطيتك نسخة عنها".
وقد أعاد كلام "فابيوس" تسليط الضوء على الوثيقة المحفوظة في الأرشيف الفرنسي والمؤلفة من 6 بنود وخاتمة، تؤكد في بدايتها على "أن الشعب العلوي.... شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني"، وأنه "يرفض أن يلحق بسوريا المسلمة"، مناشدا رئيس وزراء فرنسا (التي كانت تحتل سوريا يومها) بإبقاء مناطق العلويين بل وحتى عموم سوريا تحت الاحتلال.
وتتخلل الوثيقة عبارات تهاجم بشكل متكرر العرب المسلمين السنة، من قبيل وصفهم بالحقد والتعصب، مقابل وصف اليهود الذي هاجروا إلى فلسطين لاحتلالها بأنهم "طيبون.. جاؤوا للعرب المسلمين بالحضارة والسلام"، وهذه الفقرة تحديدا التي كتبت قبل عقود، تقدم لنا تفسيرا لانتخابات الكنيست التي حدثت قبل أيام، ومنح فيها علويو "الغجر" اليهود أصواتهم بسخاء بينما ضنوا بها على القائمة العربية.
وقد حذرت الوثيقة التي وقعها أعيان العلويين يومها من رفع الانتداب عن سوريا وفلسطين؛ لأن ذلك يعني توحدهما في كيان عربي سني يمثل "مصيرا أسود لليهود والأقليات الأخرى".
وهكذا، وباختصار نلاحظ أن قصة توسل أهل "الغجر" من أجل احتلال إسرائيل لهم، تمثل امتدادا طبيعيا للوثيقة، وكلاهما تنهلان من معين واحد، وتصبان في سياق واحد، غير أن قصة احتلال "الغجر" تم تعميدها بالأفعال وليس فقط بالأقوال، كما هي حال الوثيقة.
وفي المحصلة، نرى أن سكان "الغجر" في الجولان بذلوا كل المستطاع من أجل أن يتم احتلالهم، كما بذل أبناء طائفتهم في الساحل السوري كل الحجج لفرنسا من أجل أن تبقيهم تحت لوائها، في وثيقتهم المؤرخة عام 1936، التي خطوها ورفعوها إلى السلطات الفرنسية في عز مفاوضات الزعماء السوريين حينها لأجل انتزاع اعتراف فرنسا باستقلال سوريا (توجت بمعاهدة الاستقلال التي وقعت في 9 أيلول 1936)، ما لا يدع مجالا للشك بأن الوثيقة العلوية لم تكن سوى طعنة خيانة مقصودة في الظهر.
*في "خانة اليك"
وليت حكاية الغزل والود بين "الغجر" والدولة العبرية وقفت هنا، فقد تم توثيق عراها في مطلع ثمانيات القرن الماضي، بينما كانت "تل أبيب" تشرع في قوننة "ضم الجولان" إليها رسميا، وكان نظام حافظ الأسد يومها يملأ الإعلام ضجيجا ببطلان هذا "الضم"، ورفض أهل قرى الجولان المحتل له، تأثرا منهم بمدرسة "القائد المناضل" وتأسيا منهم بنهجه، حسب دعاية النظام.
ففيما واجهت القرى الدرزية -وما زالت- قرار الضم، ورفض معظم أبنائها الهوية الإسرائيلية، سارع أهالي "الغجر" ومنذ اللحظات الأولى لإصدار قرار الضم، إلى تسلم الهويات الإسرائيلية والحصول على جنسية الدولة العبرية (كان عددهم يومها نحو 880 نسمة)، مؤكدين من جديد رغبتهم الجامحة في السباحة عكس التيار.
وهكذا بات أهل "الغجر" يتمتعون بحق التصويت في الانتخابات شأنهم شأن أي إسرائيلي، وسمح لهم خلافا للقرى الدرزية الأربع أن يختاروا ممثلي مجالسهم المحلية عبر الاقتراع، وقد بقي سكان القرى الأربع محرومين من حق انتخاب ممثليهم حتى العام الماضي، حين أقرت لهم "تل أبيب" به.
بعد إصدار قرار "الضم" وجد حافظ الأسد نفسه محرجا، فمن ناحية لديه رغبة شديدة في أن تستمر تظاهرات الأحرار من القرى الأربع حتى يستغلها في إعلامه ويكرس صورته مقاوما ومناضلا ضد إسرائيل، ومن ناحية أخرى فإن هذه التظاهرات تكشف المستور، وتميز الراضي عن الرافض بصورة لاتقبل التشكيك، وتضع كلا من أهل "الغجر" ونظامهم في دمشق ضمن "خانة اليك"، ومن هنا لم يكن غربيا يومها أن تسمع من "الغجر" ومن يشاكلها أصواتا تلوم الدروز على "مبالغتهم" في رفض قرار الضم، وتحذر من استغلال ذلك لإحداث "فتنة طائفية"!!، وبالتالي ولتجنب هذه "الفتنة" كان على الرافضين أن يحدوا من غلواء رفضهم، ولم يكن على الخانعين أن يكبحوا جماح ارتمائهم في أحضان المحتل، وفق منطق الخانعين.
*بين قوسين
شكل احتلال الجولان في 1967 فرصة، وجاء ضمه في 1981 ليتيح فرصة أخرى وجديدة، يعبر فيها أهل "الغجر" عن ارتباطهم العضوي بالكيان العبري، وقبلهما وبعدهما كانت فرص كثيرة لاتعد، من أبرزها رفض أهالي الغجر إخضاعهم لسلطة جيش "لحد" الذي أنشأته إسرائيل في جنوب لبنان أيام احتلالها له.
فقد ظن الجنرال العميل "أنطوان لحد" أنه يستطيع استثمار قربه الشديد من تل أبيب وثقتها به ليطالب بقرية "الغجر" باعتبارها وفق رواية "الدولة اللبنانية" قرية لبنانية، لا بد من إعادتها للوطن الأم لبنان، وقد أفشل أهالي الغجر خطة "لحد" وخيبوا ظنه ولكن على طريقتهم، حينما قالوا بصريح العبارة: "ألف عام تحت الاحتلال الإسرائيلي ولا يوم واحد تحت حكم لحد".
ومن الواضح وقياسا إلى سيرة أهل "الغجر" مع "تل أبيب"، أن العبارة لم تقل كرها بـ"لحد" بقدر ما قيلت حبا بالاحتلال الصهيوني، وتأكيدا على التناغم معه مهما طال أمده، على مبدأ "الي ببيت أهله على مهله".
عند هذه النقطة، لابد من فتح قوس لندرج داخله عددا من الأمور المثيرة للتساؤل والاستهجان:
قياسا إلى الرفض الكلامي الشديد لجهة بسط "جيش لحد" سيطرته على "الغجر".. هل يمكن اعتبار توسل أهل "الغجر" لإسرائيل من أجل احتلالهم رسالة فعلية ومدموغة تقول "ألف عام تحت الاحتلال ألف عام تحت الاحتلال الإسرائيلي ولا يوم واحد تحت حكم الأسد"، الذي ينتمي لنا وننتمي له.
لماذا عجز حافظ الأسد أو تعاجز عام 1973 عن استرجاع قرية صغيرة ينتمي لطائفتها، رغم أن هذه القرية تقع على مشارف المنطقة الفاصلة بين الجولان المحتل والمحرر حينها، وليست في عمقه حتى يتم التعذر بصعوبة تحريرها.

ما الذي تفعله مليشيا "حزب الله" في الجزء الشمالي من بلدة الغجر، حيث يوجد قسم من أهل القرية من حملة الجنسية الإسرائيلية يتحركون بحرية وتحت نظر المليشيا من وإلى القسم الجنوبي الذي ما يزال تحت سلطة تل أبيب، وما تفسير أن ينتخب أهل قرية "الغجر" عتاة الأحزاب الصهيونية (المعادية للمليشيا!)، بينما يتم الترويج للقرية وأهلها في إعلام "المقاومة" بوصفهم معقلا من معاقل المليشيا، ويشاع بأن إسرائيل حاكمت واعتقلت مجموعة منهم بدعوى انخراطهم في نشاطات تدعم "حزب الله".
*معا نكمل المسيرة
تشبه قرية "الغجر" نظام الأسد كثيرا، تشبهه إلى حد القول إنهما توأمان.. توأمان في إظهار شيء وإبطان نقيضه، توأمان في السيرة الغامضة والمواقف العصية على التفسير المنطقي، توأمان في خطف "بهرج" المقاومة وثمارها وترك الآخرين يقاسون أشواكها وتبعاتها، بل إن الأسد و"الغجر" توأمان حتى في طريقة الحكم.
فكما مر 50 عاما على حكم آل الأسد لسوريا، مر قرابة هذه السنوات على "سلمان خطيب" أبو حسن، الذي احتفظ بمنصب المختار ورئيس المجلس البلدي في "الغجر" نحو 46 عاما (خلفه شخص يدعى أبو هاشم فتالي)، بداية من عام 1958 بموجب قرار من مؤسس أجهزة القمع الأولى "عبد الحميد السراج"، مرورا بتزكيته وتكرسيه (أي تكريس الخطيب) عبر حافظ الأسد وعبد الحليم خدام (محافظ القنيطرة يوم الاحتلال، وخليل حافظ الأسد ومستودع أسراره)، وانتهاء بقبول "تل أبيب" التي جددت له "البيعة" منذ عام 1967 وحتى 2003، وكأنها تقول للخطيب وللأسد: "معا نكمل المسيرة".. (تتقاطع عدد من الروايات على أن خدام كان شريك الأسد في إعلان سقوط القنيطرة قبل احتلالها بساعات، بل إن هناك من يتهم خدام يومها بمساعدة جولانيين من الطائفة العلوية على الفرار وإخلاء بيوتهم وتحميل أغراضهم باتجاه الداخل السوري، بينما كان يطلب من أبناء طائفة أخرى "الصمود").
وعلى ذكر "أبو حسن" زعيم قرية الغجر الأكبر، فقد ردّ النظام على قرار واشنطن بـ"ضم" الجولان إلى الدولة العبرية واعتبرها جزءا أصيلا منها.. رد على هذا القرار الصادر في 25 آذار/ مارس 2019، بطريقتين مباشرتين، الأولى عبر تغيير صورة الغلاف لصفحة "رئاسة الجمهورية" في فيسبوك، والثانية إرسال مصور تلفزيوني ومذيعة إلى حدود الجولان المحتل، لتصرخ: "يا رفيق حسن" مرددة بطريقة شعاراتية ما طلب منها، قبل أن يعود كل منهما (المذيعة والرفيق حسن) إلى قواعدهما سالمين.. ولا يستعبد أن يكون "الرفيق حسن" هو ابن مختار "الغجر" نفسه، أو ابن النهج الذي خطه حافظ الأسد وزعيم "دولة الغجر" معا.
*لم يردوا
نقول "دولة الغجر" لأن حكاية هذه القرية الصغيرة معقدة ومحاطة بالأسرار وكأنها دولة، ولأن وضعها منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، يوحي بأننا أمام "دولة" وليس بلدة محدودة المساحة.
فبعد تراجع "تل أبيب" عن جنوب لبنان، عاشت قرية "الغجر" فصول تقسيم غريب، حيث انسحب جيش الاحتلال من الجزء الشمالي للقرية (يمثل نحو ثلثي مساحتها)، واحتفظ بالجزء الجنوبي منها مع المزارع.
وإثر هذا الانسحاب، بات الجزء الشمالي تحت سيطرة الدولة اللبنانية نظريا، ومليشيا "حزب الله عمليا، ولكن ذلك لم يغير شيئا فبقيت الطرقات مفتوحة، وأعلام المليشيا ترفرف غير بعيد عن أعلام "الكيان الغاصب"، والناس بقوا في منازلهم بهوياتهم الإسرائيلية، يتنقلون بحرية بين الشطرين، بل إن بعضهم كما يقال بات يحمل الجنسية اللبنانية إلى جانب جنسيته الإسرائيلية، دون أن يسبب ذلك حرجا لا لـلـ"مقاومة" ولا لجمهورها!


وتقول "إسرائيل" أنها تقدم خدماتها لجميع سكان "الغجر" بمن فيهم أولئك القابعين في الجزء الخاضع لمليشيا "حزب الله"، وهؤلاء بالمقابل لا يبخلون بخدماتهم في حق الدولة العبرية، فيسارعون مع كل استحقاق لوضع أصواتهم في المكان الذي يرونه مناسبا لهم ولمشروعهم (ينتخبون الأحزاب التي يفترض أنها تمثل نقيضا وعدوا لدودا لما يسمونها المقاومة).
وقد كان صاعقا لبعض وسائل الإعلام عام 2010، أن تدعى لتغطية احتجاج أهل "الغجر" على قرار إسرائيل إنهاء احتلالها رسميا للشطر الشمالي من القرية والاعتراف بتبعيته للبنان، ويومها برر أهل "الغجر" احتجاجهم على إنهاء الاحتلال بأنه احتجاج على قرار يكرس تقسيم القرية ويباعد بين أفراد الأسرة الواحدة.
ختاما: فقد أرسلت "زمان الوصل" بريدا إلكترونيا متعدد النسخ إلى رئيس مجلس بلدة "الغجر" وديوان المجلس، تطلب فيه تعليقهم على مشاركة أبناء القرية المحتلة في الانتخابات الأخيرة، لكن الجريدة لم تتلق أي رد حتى ساعة نشر هذا التقرير.
إيثار عبدالحق-زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية