أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إِنَّهَا بَارِيْسُ!..... عمر حكمت الخولي

إلى «نور م.»

1-
وَاسْتَقْبَلَتْنِي
كُنْتُ أَخْلِقُ أَلْفَ عُذْرٍ كَيْ أَرَاهَا سَاعَةً
هِيَ قِبْلَتِي مُنْذُ الْتَقَيْتُ بِهَا عَلَى أَبْوَابِ (بَارِيْسَ) العَتِيْقَةِ
وَقْتَهَا كَانَتْ تُغَنِّي لانْحِنَاءِ (الشَّانْزَلِيْزِيهْ) قُرْبَ وَجْهِ (دِمَشْقَ)
تَلْبَسُ سِحْرَهَا الشَّرْقِيَّ مِثْلَ يَمَامَةٍ
هَجَرَتْ تَقَالِيْدَ اليَمَامْ!
(عَلْيَاءُ) بَعْضُ جَزَائِرٍ سَكَنَتْ هُنَاكَ
تَعَمَّدَتْ مُنْذُ الوِلادَةِ مِنْ مِيَاهِ (السِّيْنِ)
وَاخْتَنَقَتْ بِتَارِيْخٍ يُلامْ
وَتَوَاصَلَتْ مَعَ مَنْ تُحِبُّ بِسِرِّهَا
بِاللَّحْنِ وَالرَّقْصِ المُقَدَّسِ في رُؤَى (إِشْبِيْلِيَا)
بِأَنِيْنِ ذَاكِرَةٍ تُمَزِّقُ نَفْسَهَا حِيْنَ انْعِدَامْ!
نَظَرَتْ مِنَ الشِّقِّ الخَفِيِّ بِبَابِهَا
"هَذَا أَنَا!"
فَتَحَتْ وَفي فَمِهَا ابْتِسَامَةُ طِفْلَةٍ
"(عَلْيَاءُ).. مَا سِرُّ السُّهَادِ؟ تَكَلَّمِي"
قَالَتْ لِتُخْفِيَ سِرَّهَا:
"(بَارِيْسُ) تَرْقُصُ.. لا تَنَامْ"!

2-
كَانَتْ تُحَدِّثُنِي عَنِ الوَطَنِ المُقَدَّسِ مَرَّةً
قَالَتْ: "هُنَاكَ بِدَايَتِي
في بُرْجِ (إِيْڤِلَ) حِيْنَ كُنْتُ صَغِيْرَةً
أَمْسَكْتُ عُوْدِيَ وَابْتَدَأْتُ أُدَاعِبُ الأَوْتَارَ
يَصْحَبُنِي انْبِهَارِي مِنْ مُعَانَقَةِ الكَمَانْ
كُنَّا صِغَارَاً حِيْنَهَا
كُنَّا نَظُنُّ بِأَنَّ ذَاكِرَةً سَتُوْلَدُ مِنْ تَلاقِي العَاشِقَيْنِ
بِأَنَّ أَوْطَانَاً تُرَفْرِفُ قُرْبَنَا
وَبِأَنَّنا رُوْحَا الزَّمَانْ!
كُنَّا صِغَارَاً حِيْنَهَا
أَنْسَاقُ خَلْفَ تَوَحُّدِي المَاضِي
وَخَلْفَ عَلاقَتِي بـ(الدُّونْ جُوَانْ)!
أَوْ خَلْفَ مُعْضِلَةِ التَّأَقْلُمِ وَقْتَ سَافَرْتُ انْتِحَارَاً
عَنْ مَقَاعِدِ وِحْدَتِي!
وَقْتَ الْتَقَيْنَا فَوْقَ وَجْهِ سَفِيْنَةٍ تَعْرَى ارْتِحَالاً
في بِحَارِ الوِجْهَةِ العَمْيَاءِ
أَذْكُرُهَا، كَمَا لَوْ أنَّهَا مَرَّتْ ثَوَانْ
فَرَسَوْتُ حِيْنَ تَمَزَّقَتْ أَصْوَاتُنَا، كَيْ أُعْلِنَ التَّوْقِيْتَ
بِدْءَاً مِنْ جُنُوْنِي
وَاخْتَفَتْ مُدُنُ التَّقَوْقُعِ وَالقِيَانْ!
وَالآنَ، هَا (بَارِيْسُ) تُنْشِدُ قِصَّتِيْ
(بَارِيْسُ) تُنْشِدُ لِلزَّماَنْ"!

3-
(عَلْيَاءُ) بِنْتٌ تُشْبِهُ الغَجَرَ الَّذِيْنَ تَوَضَّؤُوا مِنْ كُلِّ نَبْعٍ شَاحِبٍ
مِنْ مَاءَ (زَمْزَمَ) في الحِجَازِ، وَمِنْ هُدُوْءِ (الغَانْجِ)
مِنْ (ڤِيكْتُوْرِيَا)
مِنْ مَنْبَعِ (العَاصِي)، وَمِنْ (أَمَزُوْنِ) أَمْرِيْكَا، وَمِنْ
كُلِّ انْحِدَارٍ في جِبَالِ (الأَلْبِ) قَدْ صَنَعَتْ وَطَنْ!
(عَلْيَاءُ) يُشْبِهُهَا الزَّمَنْ
(عَلْيَاءُ) مِثْلُ تَوَجُّعِي
لَكِنَّهَا أَحْلَى قَلِيْلاً مِنْهُمَا
(عَلْيَاءُ) ذَاكِرَةُ المُدُنْ!
هِيَ مِنْ أُصُوْلٍ - رُبَّمَا - عَرَبِيَّةٍ
لَكَنَاتُهَا السَّبْعُ الغَرِيْبَةُ تَسْتَحِيْلُ لِنُوْتَةٍ أُوْلى
بِسِيمْفُوْنِيَّةِ الأَدْغَالِ
تَعْزِفُهَا عَلَى مَرْأَى عَصَافِيْرِ الجِوَارْ
وَبِصَوْتِهَا النَّايَاتُ تَخْتَزِنُ الرُؤَى
فَتُحِيْلُهَا اسْمَاً يَنْطَوِي فِيْهِ المَدَارْ!
كَانَتْ تُغَنِّي لانْحِنَاءِ القِبْلَتَيْنِ لَهَا، لِبَعْضِهِمَا، لِكُلِّ مَدِيْنَةٍ سَجَدَتْ لآلِهَةِ التَّحَدِّي
فَاسْتَفَاقَتْ في صَبَاحَاتِ الشِّتَاءِ حَزِيْنَةً:
"يَا أيُّهَا المَاضُوْنَ نَحْوَ هِدَايَتِي الكُبْرَى وَنَحْوَ نهَايَةِ الذِّكْرَى
أَنَا اسْمُ العِشْقِ في كُتُبِ البِدَايَةِ وَاسْمُ زَهْرِ شَقَائِقِ النُّعْمَانِ
وَاسْمُ مَدِيْنَتِي الأُوْلى الَّتِي اهْتَرَأَتْ
عَلَى وَشَكِ الغُبَارْ!
أَنَا ذِكْرَيَاتُكَ وَانْعِتَاقُ حُرُوْفِ شِعْرِكَ
غَابَةُ الأَطْيَافِ، دَائِرَةُ التَّمَرُّدِ وَانْكِسَارُكَ
وَجْهُكَ المَتْرُوْكُ عِنْدَ عَشِيْقَةٍ أُخْرَى.. وَكَأْسُ سَذَاجَةٍ!"
كَانَتْ تُغَنِّي لِي، فَحَاصَرَهَا التَّقَشُّفُ في بَسَاطَةِ حَرْفِهَا
في لَيْلِهَا المَنْسُوْجِ أَشْرِعَةً لِفُلْكِ الشَّمْسِ، أُغْنِيَتِي انْتَهَتْ:
"(بَارِيْسُ) آلِهَةُ النَّهَارْ"!

4-
مَا زِلْتُ لا أَدْرِي لِمَاذَا تَرْتَدِي كُلُّ النِّسَاءِ بَرَاءَةَ الأَفْعَى!
لِمَاذَا تَرْتَدِي (عَلْيَاءُ) خَارِطَةَ الرُّكُوْنِ إِلى الأَلَمْ!
مَا زِلْتُ لا أَدْرِي حُدُوْدَ الخَوْفِ مِنْ شَغَفِي
هِيَ اقْتَادَتْ فُؤَادِيْ نَحْوَهَا سِرَّاً
وَأَعْلَنَتِ التَّفَجُّرَ، وَالتَّشَظِّيَ
وَالتَّنَحِّيَ عَنْ مَقَاعِدِ مَسْرَحِي
عَنْ كُلِّ شَطْرٍ رَاقَهُ أَنْ يَجْعَلَ الأَلْوَانَ قَافِيَةً يُجَامِعُهَا القَلَمْ!
مَا زِلْتُ لا أَدْرِي حُدُوْدَ العِشْقِ في مَفْهُوْمِهَا 
مَا الحُبُّ؟ مَا القُبَلُ البَرِيْئَةُ؟ مَا التَّوَجُّعُ؟ مَا التَّنَاهِي؟
مَا التَّصَادُمُ في مَعَايِيْرِ الأُمَمْ؟!
(عَلْيَاءُ) حَاضِرَةُ الرُّكُونْ
هِيَ مِثْلُ (بَارِيْسَ) العَتِيْقَةِ
رُبَّمَا شَهِدَتْ حُرُوْبَ العَالَمِ الأُوْلى
حُرُوْبَ العَالَمِ الأُخْرَى
وَثَوْرَاتِ الشُّعُوْبِ عَلَى الطُّغَاةِ
سُقُوْطَ (هِتْلرَ)!
رُبَّمَا شَهِدَتْ حِكَايَاتِ القُرُونْ
لَكِنَّها بَعْضُ السَّمَاءِ، قَدِيْمَةٌ
لا يَنْجَلِي مِنْهَا السُّكُونْ!
- (عَلْيَاءُ).. مَا سِرُّ القَصَائِدِ؟ أَخْبِرِيْنِي
- إِنَّهَا (بَارِيْسُ).. تُكْتَبُ كَيْ تَكُونْ!.


10 أيَّار 2009م

من ديوان «نور» تحت الطبع

(88)    هل أعجبتك المقالة (95)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي