لم تتردد حكومة المنطقة الخضراء في بغداد في أن تطلق اسم يوم السيادة العراقية و يوم الشموخ العراقي على الثلاثين من حزيران وهو اليوم المفترض لانسحاب قوات الاحتلال الاميريكي من المدن والبلدات العراقية بعد أن أعلنت عنه كيوم عطلة رسمية كما دعت جميع أبناء الشعب العراقي إلى الاحتفال بهذا اليوم.
إذا كان الثلاثين من حزيران هو يوم للشموخ العراقي فان هناك جهة واحدة وحيدة فقط من يحق لها إطلاق مثل هذه التسمية عليه، إنها الجهة التي ناضلت وقاتلت وقدمت من التضحيات الغالي والنفيس، ونعني بذلك المقاومة العراقية، التي كان لها الفضل كله في الضغط على القوات المحتلة من اجل اتخاذ مثل هذا القرار في الوقت الذي كان من دعوا إلى الاحتفال به ليس سوى أدوات رخيصة في يد قوات الاحتلال وساهموا إلى حد بعيد في نشر الفساد في العراق، بحيث أصبح من أكثر البلدان فسادا في العالم، ونهبوا خيراته وعملوا على تدميره بكل السبل المتاحة، واضعفوا البلد بعد أن نشروا فيه كل أنواع الرذيلة، وحولوه إلى بلد ضعيف يعتمد على المحاصصة الطائفية البغيضة التي كادت أن تجر العراق إلى أتون حرب أهلية لا يعرف احد أين كانت ستنتهي.
كان يمكن لأي مراقب ان يلاحظ خلال الأيام والأسابيع الماضية بان وتيرة العمليات سواء تلك المتعلقة بأعمال المقاومة أو التي تتعلق بأعمال لا علاقة لها بالمقاومة، بل كانت تستهدف المدنيين العزل في الأسواق والشوارع في مدن العراق المختلفة، آخذة في الازدياد كما كان يمكن ملاحظة حالة من الارتباك واضحة على معظم قادة العراق الجدد والذين أتى في اغلبهم على ظهور الدبابات الاميركية وغيرها، برغم كل محاولاتهم الظهور بشكل متوازن والحديث عن قدرات "خارقة" استطاعت قوات العراق "الجديد" تحقيقها على أيدي الأسياد من امريكيين وغيرهم.
محاولة القادة الجدد المتكررة للنبش في قضية - النظام البائد وإعادة النظام الصدامي والقاعدة- وكل هذه الألاعيب لم تعد تنطلي على أبناء الرافدين الذين خبروا خلال ما يزيد على ستة أعوام من الاحتلال الكريه، حيث البلد أصبح مرتعا لكل الفاسدين والبطالة تزداد بشكل كبير والأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا، والخدمات شبه معدومة فلا مياه ولا كهرباء ولا غيرها برغم عشرات المليارات من الدولارات المتوفرة في الخزينة العراقية، والأمن شبه معدوم إلا من بعض الفترات القليلة التي تراجعت فيها وتيرة المقاومة وكذلك أعمال الإرهاب.
كذلك فان محاولة الإيحاء بان كل هذه الأوضاع الأمنية المتردية والآخذة بالتدهور في الفترة الأخيرة هي من صنع المجموعات - الإرهابية - والمقصود بها مجموعات المقاومة بالإضافة طبعا إلى القاعدة، من اجل إبقاء قوات الاحتلال لا يمكن فهمها، ذلك أن الهدف الأساس لكل مجاميع المقاومة بكل أطيافها هو إخراج القوات المحتلة من بلاد الرافدين، ولا يمكن لعاقل أن يصدق بان هذه المجاميع ترغب في رؤية قوات الاحتلال باقية على ارض العراق وأن من يستفيد من وجود هذه القوات هم أولئك الذين قدموا أو تم استقدامهم على ظهور الدبابات الاميركية وغيرها، ومن هنا فانه يمكن فهم الاتهامات المتبادلة خلال الفترة الأخيرة للقوى المساهمة في العملية السياسية من أن هذا الفريق أو ذاك هو من يقف وراء الأعمال الإرهابية التي أدت إلى مقتل وجرح المئات من العراقيين الأبرياء.
منذ ان وقع العراق تحت الاحتلال الامريكي قلنا بان مقاومة شرسة لا بد من ان تواجه هذا الاحتلال وان هذه المقاومة سوف تتجذر مع كل يوم جديد تبقى فيه قوات الاحتلال الامريكية وغيرها على ارض العراق، وقد خبرنا ذلك جيدا على ارض الواقع ومن المعايشة الحقيقية للأوضاع هناك، كما قلنا بان اليوم الذي سوف يتحول الشعب العراقي بكافة أبناءه الى مقاومين لن يكون بعيدا جدا وإنما يحتاج الى بعض الوقت ذلك ان ثقافة المقاومة لا بد لها ان تأخذ المدى والوقت والظروف حتى تنضح من اجل ان يهب العراق من اقصاه الى اقصاه ضد قوات البغي والعدوان، هذا اليوم برغم انه لم يتحقق بعد إلا ان إرهاصاته ومقدماته ظاهرة للعيان ولمن يريد ان يرى الحقائق على الأرض، فالمقاومة تزداد قوة وتحقق المزيد من الخسائر في صفوف القوات المحتلة مع تزايد خبراتها وتراكمها، ونحن نعلم جيدا وبحكم التجربة الميدانية بان ما يتم الإعلان عنه من خسائر ليس سوى الجزء القليل من الواقع وينحصر فقط في العمليات التي تستطيع وسائل الإعلام الوصول إليها اما ما تبقى فانه يبقى طي الكتمان ولا احد يعلم بأخباره او ما نتج عنه سوى من له علاقة.
ادعاء القيادة العراقية الحالية بان القوات الرسمية جاهزة لا يعني بان الامور على ما يرام وان هذه القوات سوف تتصدى لحركة المقومة في العراق او انها سوف تقوى على ذلك، وعلى أي حال ان هذا الانسحاب من المدن العراقية لا يعني بالضرورة ان قوات الاحتلال سوف تقف موقف المتفرج على ما سوف تحققه المقاومة من نجاحات في العراق، فقد صرح اكثر من مسؤول اميركي انه وفي حالة _ الاعتداء - على القوات المحتلة فان هذه القوات سوف تتعامل مع ذلك بدون إذن او تنسيق مع الحكومة العراقية، وهذا يعني فيما يعني أن قوات الاحتلال سوف تبقى طليقة اليد في العراق وتحت هذه الذريعة يمكن لها ان تمارس مهامها كما تشاء وكيفما ترى المصالح الاميركية ومن يحكم في المنطقة الخضراء ببغداد.
ادعاءات حكومة المنطقة الخضراء حول إنجازاتها في تخفيف حدة المقاومة لن يغير من الأمور شيئا وحتى قضية الحد من دور القاعدة وممارساتها- هذا الدور والممارسات التي نقف ضدها وندينها خاصة فيما يتعلق بقتل الأبرياء بشكل بربري وارتكاب المجازر بحق الناس- على أي حال لم يكن من إنجازات هذه الحكومة أو تلك بقدر ما كان إنجازا - للصحوات- التي لنا عليها تحفظات كبيرة ولا يمكن ان يتم تصنيفها في خانة القوى المقاومة.
من الواضح ان حكومة المنطقة الخضراء لم تعتقد بان لكل بداية نهاية وان التجربة التي تم خوضها من قبلهم سوف لن تعمر طويلا، ربما اعتقدوا بان تجربتهم سوف تطول كما طالت حقبة صدام حسين او حزب البعث وهذا يعني ان قراءتهم كانت خاطئة للتاريخ حيث ان كل التجارب المشابهة السابقة لم تعمر طويلا، خاصة وان المقاومة العراقية كانت من أسرع - المقاومات- التي هبت ضد القوى المحتلة.
العراق كما نراه، مقبل على أيام وأسابيع واشهر وربما سنوات لكن ليست طويلة، سوف تكون فيها اليد الطولى للعراقيين النجباء وللمقاومة الباسلة وعند ذاك سوف تكون السيادة العراقية والشموخ حقيقية وبدون وجود لا لقوات الاحتلال ولا لأذنابه.
30-6-2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية