يقول أحد الأمثال الدارجة في سوريا "شو ما في تين غير بسلقين؟"، كناية عن شهرة هذه المدينة الإدلبية بإنتاج أنواع مميزة من فاكهة، ينظر إليها كثيرون بـ"تقدير" كونها إحدى الثمار التي أقسم رب العالمين بشجرتها في آية من القرآن الكريم.
الرئيس التركي "رجب أردوغان" أجاب بطريقته اليوم على التساؤل الوارد في المثل السوري، قائلا بلسان الفعل "بلى، هناك تين في غير سلقين.. هناك تين ولاية آيدين، وها أنا ذا أقدمه لضيفي روحاني وبوتين، بعدما انهينا ساعات من النقاش "المثمر" حول إدلب، وحول سوريا والسوريين".
ولسائل أن يسأل، ما مرد هذا التركيز على توثيق ونشر اللحظات الحميمة تارة بين أردوغان وبوتين (في موسكو عند أكل المثلجات)، وأخرى في إحدى قصور الرئاسة بآيدين بحضور الرئيس الإيراني روحاني (حيث تولى أردوغان بنفسه "إكرام" ضيوفه، حسب تعبير وسائل إعلام تركية).. أليس من المفترض أن يحاذر "أردوغان" نشر مثل هذه الصور على الأقل في هذه الفترة بالذات، حيث تتوسع قاعدة الاستياء وسط السوريين من القيادة التركية، إلى درجة أن "أردوغان" لم يترك لأكثر أنصاره من أوراق يدافعون بها عنه، أو حجج وتأويلات يفسرون بها مواقفه.
ربما يكمن الجواب في الخط الذي بدأت عموم السياسة الدولية في انتهاجه، وأرسيت قواعده على يد "ترامب"، والقاضي بأن قوة السياسة باتت في حجم المكشوف والفج منها لا في حجم المستور ولا الممرر بصيغ دبلوماسية، لاسيما بعدما سقطت كثير من الأقنعة، وباتت كثير من الأوراق مفضوحة.
وكما تقود الولايات المتحدة العالم، لم يكن غريبا أن يقود رئيسها طائفة من زعماء العالم ليحذوا حذوه، فصار الشعبوي يفاخر بشعبويته علنا (رئيس البرازيل مثالا)، والعدواني المهووس يروج لعدوانيته علنا (رئيس الفلبين مثالا)، والساذج ينتهز الفرص لإظهار سذاجته وعرضها على الملأ ويضحك مع الضاحكين عليه وعليها (السيسي مثالا)، والتاجر يؤكد أن تعاطيه مع أي ملف مهما كبر، لا يختلف عن تعاطي بائع في سوق شعبي (الرئيس التركي مثالا).. أما "ترامب" فقد جمع كل هؤلاء وأكثر فكان مثالا و"قدوة" لهم جميعا.
فائدة هذا النهج في عيون من يطبقونه، هو الوصول إلى مرحلة جديدة من "كي وعي" الجماهير، وإدخالها في مرحلة من فقدان الإحساس بأي مقولة أو فعل يصدر عن هذا الزعيم أو ذاك، مهما كان صاعقا وشنيعا، وجعل مستوى الصدمة يقارب "الصفر"، بعدما كان جزء من هذا الفعل أو تلك المقولة بمثابة فضيحة في العقود الماضية، يمكن أن تضمن "مؤونة" سنوات من أحاديث الصحافة والكتب.
وإنه لمن الجدير بالتوقف أن تكون كثير من مواقف السياسة الدولية التي تتبع الخط "الترامبي"، مواقف وتصريحات تتعلق بشكل رئيس بالملف السوري، ما يعني بشكل أو بآخر أن ما جرى في "الشام" أدخل تغييرا بنيويا على السياسة الدولية، لم تنتهجه بعد غالبية الدول، لكنه آخذ في التمدد أفقيا وشاقوليا، ليعم مختلف أرجاء المعمورة، ويصبغ معظم مسؤولي العالم، وليس الزعماء فقط.
وهكذا فإن مشهد "التين" الذي قدمه "أردوغان" لضيفيه روحاني وبوتين، ليس سوى "عبارة" في نسق كامل يجري تثبيت دعائمه، لفرض معادلات جديدة على الشعوب، والتأسيس لقواعد لعب لا تشابه في أشكالها ما اعتادت "الجماهير" على معاينته من قبل، و"الفضل" في ذلك يعود لما جرى في سوريا، التي جعلت "بوتين"، "بوتين" لا غيره، يستشهد بآية من القرآن الكريم عن تأليف القلوب (من سورة آل عمران ذكرها في المؤتمر الختامي لقمته في أنقرة)، وجعلت "روحاني" يتحدث بملء فيه عن "مكافحة الإرهاب"، بينما اختار "أردوغان" تقديم التين.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية