وكأن العدل قد تحقق في سوريا التي نخرها الفساد ثم دمرتها الطائرات وكل أصناف الأسلحة الحرام، وهُجر نصف أهلها بعيداً عن بيوتهم وأحلامهم.
سوريا الفاسدة التي عاش فيها أهلها بين سندان الموظف المرتشي، وصلف المسؤول الغاشم يراد لها اليوم أن تنهض بورقة مطبوعة في وزارة فاسدة بإحالة وزير فاسد إلى القضاء بدعوى سرقة 350 مليار ليرة سورية من خزينتها التي طالما كانت من غيبيات النظام لا يعلم ما يدخلها وما يخرج منها سوى السيد الحاكم الأوحد ومن يدورون في ملكوته.
هي نفسها سوريا التي تربى فاسدوها على أن لا يحاسبهم أحد إن هم قالوا (نعم)، وصفق خلفهم ملايين الفقراء والتعساء والمظلومين فقط لأن لا خيار لهم سوى أن يبصموا بالدم على عقود خنوعهم وقبولهم بأبد القائد.
ألم يكن على الموظف أن يدفع ليكبر في دولة البعث، ومن ثم يصير مديراً ومخبراً وقاتلاً وفاسداً، ومن ثم يعيد ما دفعه من جيوب السوريين الفقراء والتعساء والمظلومين بالقهر والإذلال.
وكأن العدل قد تحقق بفتح ملف وزير التربية هزوان الوز ونائبه وبعض الموظفين الصغار، وأن طريق السعادة والكرامة قد تم فتحه بعد النصر المؤزر، وتزدهر الليرة المنهارة وتعود لسابق عهدها تستحق أن تنظر إليها العيون، وتحفظها الجيوب.
سلسلة الفاسدين لم تبدا ولم تنته عند هذا (الوز) فالبلاد لم تلد ليحكمها سوى أمثاله، وإن طرب الكثير من صغارهم - كالمدراء العامين والمتعاقدين ممن يسكنون في الضواحي الغالية والمحمية- لسقوط الوزير فذلك لأنهم يرون فيه أضحية تكفر وتحلل ما سرقوه، وليس حباً في الوطن الغارق بالدم والسفلة.
لم يحاكم أو يفضح من باع احتياط البلاد من السكر، واشترى مئات الدونمات من الأراضي في قريته البعيدة، ومن أثرى بالملايين خلال عقدين من عمره الوظيفي.
لم يفتضح سر من دنس سجلات الأحوال الشخصية وباع (الخانات) لمن لا يستحقها، وأصبح بروفيسوراً في القانون الدولي ومحافظاُ.
لم ترفع الحصانة عن معقبي المعاملات الذين لا يفعلون سوى رفع الأيدي للقانون الجائر بالموافقة، ويقفون على أبواب الوزراء والضباط للحصول على الواسطات والتوصيات والهدايا.
نامت قضايا الشهادات العليا المزورة كرمى لعيون بعض من حازوا عليها بعد حصولهم على الابتدائية تحت تسميات الدكتوراة الشرفية وسواها، وعن رسائل كتبها بعض من باعوا انفسهم للشيطان والسلطان.
(الوز) فقط لكي نستأنس ببعض العظم بعد أن سلخت الشاة الكبيرة التي اسمها الوطن، ولكي يجد مرتزقة القلم ما يمدحون به سيدهم، وليعلو صوت الرعاع في أنهم يعيشون في دولة تحاسب وترى وتفعل فيما يتناسل الفاسدون الجدد مع كل صرخة فقير، وكل مهجر، ومعتقل، ومطلوم، وأما من ردمتهم الأنقاض والقبور فينتظرون يوم عدل آخر.
هذا الوزير من ذاك الأسد

عبد الرزاق دياب - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية