أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الانقسام الفلسطيني وإمكانية إنهائه ... رشيد شاهين

لا يخفى على أحد بأن الوضع في الساحة الفلسطينية قد وصل إلى مرحلة من البؤس والتعقيد والتأزم لم يصل إليها على ما نعتقد خلال سنوات عمر القضية، وان هذه المرحلة يمكن النظر إليها على انها من أكثر المراحل سوادا وسوءا وتعقيدا وانحطاطا، بحيث صار موضوع الانقسام الفلسطيني مدعاة إلى شعور بالإحباط وخيبة الأمل لدى الشارع الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، خاصة مع تزايد وتيرة "المزايدة" وعدم التعامل مع هذا الوضع الحساس بجدية أو بنوايا حقيقية تعكس شعورا لدى المسؤولين عن هذا الوضع بالإحساس بالمسؤولية عما اقترفت أيديهم.

لقد أنتجت عملية الانقسام في الساحة الفلسطينية من المواقف والقضايا التي لم يكن لها أن تظهر لولا عملية الانقسام، وقد تبدى ذلك في أسوأ صوره ومظاهره خلال الحرب الهمجية والفاشية التي شنتها دولة العدوان الإسرائيلي على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقد زادت تلك الحرب من الهوة بين شطري الوطن وبين أبناء القطاع الذين ساد لدى الكثيرين منهم شعور بالإحباط وبأن "إخوانهم" في الضفة الغربية قد تخلوا عنهم أو على الأقل لم يقوموا بالحد الأدنى المطلوب منهم في المساندة والدعم والتصدي لقوات الاحتلال في الضفة الغربية.

برغم كل ما يقال عن اتصالات وحوارات ولقاءات جرت ولا زالت تجري بين الفصائل الفلسطينية وبشكل خاص بين طرفي الصراع في الساحة، إلا أن من الواضح أن الهوة بين الفريقين لا زالت عميقة، وان إمكانية جسرها لا زالت بعيدة، ولا زالت المناكفات والاتهامات والاتهامات المضادة بين الطرفين على أشدها، برغم كل ما يقال عن إمكانية الوصول إلى اتفاق بين الأطراف خلال الأسبوع الأول من تموز يوليو المقبل برعاية مصرية وربما عربية.

لقد بات واضحا بان إمكانية الوصول إلى اتفاق - وسط- يرضي الجميع، وبشكل خاص طرفي المعادلة - فتح وحماس- والتوصل إلى خطوط رئيسية حول الكيفية التي لا بد من اتباعها مستقبلا في التعامل مع القضايا الخلافية، أو خطط على الأقل تكتيكية وليست استراتيجية بشان مستقبل - النظام السياسي الفلسطيني- أو التفاهم حول برنامج سياسي للكيفية التي يتم التعامل بها مع العالم، خاصة على اثر التغييرات التي جرت سواء في دولة الاحتلال أو في الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي الأهم لإسرائيل غير ممكنة أو صعبة المنال في ظل كل هذا الذي يجري على ارض الواقع.

واقع الحال يقول بان طرفي المعادلة مستمران في عملية - الضحك على الذات- والتعامل مع موضوع السلطة على انها سلطة حقيقية تمارس كامل صلاحياتها بدون أدنى تدخل من دولة الاحتلال وسلطتها التي تتحكم في كل صغيرة وكبيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، علما بان هذه السلطة- الاحتلال- تمعن في كل الممارسات العدوانية، من الضم والاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس والاغتيالات والمطاردة والتعسف، في محاولة منها لتذكير هؤلاء بان لا سلطة تعلو فوق سلطة الاحتلال، وان القرارات في النهاية هي في اليد الإسرائيلية، وان دور السلطة الفلسطينية لا يتعدى في اغلبه القيام بمهمات "خدمية" كانت تقوم بها سلطات الاحتلال قبل دخول السلطة الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة.
في ظل هذا الواقع فان التعامل مع السلطة على انها نظام سياسي مماثل للأنظمة السياسية القائمة في الدول المجاورة ليس صحيحا ولا منطقيا، وان الاستمرار في النظر إليه على انه كذلك هو في الحقيقة ليس سوى - تماد- في تزوير الواقع. وبالتالي فانه لا بد من الإقرار من الجميع بان ما هو قائم على الأرض ليس سوى سلطة شكلية تتمتع بصلاحيات محدودة قد لا تصل أو لا تزيد صلاحياتها في أفضل الأحوال عن أي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي لان من غير الممكن الحديث عن صلاحيات حقيقية أو سيادة فعلية بينما يخضع كل شيء للاحتلال برغم أننا يمكن أن نتفهم الطموحات الموجودة أو التي كانت وراء إنشاء السلطة الفلسطينية إلا أن الطموحات وما تصبوا إليه النفس شيء والواقع يبقى شيء آخر مختلف تماما.

لقد جرت حالة الانقسام التي جرت بعد استيلاء حركة حماس بالقوة على قطاع غزة وتفردها بالسلطة هناك إلى خلق واقع صار اقرب إلى الكيان المستقل منه إلى أي شيء آخر - ومن هنا أتى الحديث الإسرائيلي حول وجود دولة فلسطينية في القطاع في أكثر من مناسبة - وقد اثبت هذا الانفراد الحمساوي بحكم أو إدارة القطاع بان الصراع بين حماس وفتح كان في اغلبه صراع على السلطة وان ما يقال وما يرفع من شعارات ليس بالضرورة هو الصحيح كما ان الحديث الذي ساد خلال الفترة الماضية عن ممارسات السلطة هناك ومن ثم الحديث عن لا شرعية الرئيس عباس بحكم انتهاء ولايته لم يكن جديا بقدر ما كان الأمر يتعلق بالمساومة من اجل تحقيق أفضل الشروط وفي بعض الأحيان ان لم يكن في كثيرها كان أبناء الشعب الفلسطيني يدفعون ثمن هذه المساومات خاصة وانه ثبت خلال الفترة الماضية ما كنا قد اشرنا إليه في أكثر من مقال من ان حركة حماس تمارس لعبة المماطلة من اجل كسب المزيد من الاعتراف العربي والدولي بها كقوة على الأرض لا يمكن تجاهلها، وأخشى ما نخشاه ان يتم إتباع هذه السياسة في الفترة المقبلة، وهذا ما سوف يؤدي إلى تأخير غير مبرر لعملية المصالحة وإنهاء الانقسام.

إذا ما استمر الحال على ما هو عليه فان مزيدا من التراجع سوف يسببه هذا الانقسام، وان لا مجال للتقدم إلى الأمام، وعليه فإننا نعتقد بان لا إمكانية للخلاص من هذا الواقع إلا بالوصول إلى حل وسط يضع حد لحالة الانقسام من اجل مواجهة العالم بشكل موحد، وهذا بتقديرنا لن يتحقق إلا من خلال التوجه إلى جلسات الحوار بقلوب وعقول مفتوحة وشعور بالمسؤولية عال وبالتسامي عن موضوعة الفصائلية والمصالح الضيقة والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن تسمياتها تتألف من شخصيات مستقلة ومقبولة وطنيا ومشهود لها بالنظافة والانتماء والوطنية وتقوم هذه الحكومة بالتحضير للانتخابات المقبلة وتشرف على عملية إعمار ما خلفه العدوان حيث انه أصبح من المعيب ان تستمر معاناة من شردتهم الحرب الهمجية بسبب الانقسام.

الأحد 21- 6- 2009

[email protected]

(102)    هل أعجبتك المقالة (163)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي