حالة من الاستياء تنتشر بين الشباب المقبل على الزواج في مدينة "الباب" شرقي حلب في الشمال السوري، بسبب موجة غلاء الأسعار التي طالت كل شيء وخاصة الذهب.
وذكرت مصادر محلية لـ "اقتصاد" أن سعر غرام الذهب تخطى حدود الـ 26000 ليرة سورية، وهذا الأمر بات اليوم يشكل عقبة كبيرة أمام الراغبين بالإقدام على تلك الخطوة، ألا وهي الزواج.
"أبو عمر الحمصي" من سكان مدينة الباب، أحد هؤلاء الشبان، والذي بدأ يفكر منذ نحو سنة بالزواج إلا أنه وبسبب غلاء تكاليف المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية، بات مضطراً لتأجيل هذا الأمر.
وقال "الحمصي" لـ "اقتصاد": "استمرار غلاء أسعار الذهب يجعلني أفكر بتأجيل مسألة الزواج وربما العزوف بشكل نهائي عنها. وضعي المادي لا يحتمل التكاليف الباهظة التي يتطلبها مشروع الزواج، ولو أجرينا حسبة بسيطة فإنني أحتاج لما يقرب من 3 ملايين ليرة سورية حتى أفكر بالإقدام على تلك الخطوة".
وأضاف أن "العريس ليس له من مهرب من مسألة شراء الذهب، كون أهل العروس يعتبرونه شرطاً أساسياً لابد منه، وبالتالي العريس مجبر على تنفيذه والقبول به".
ولدى سؤاله عن التكاليف المطلوبة في حال أراد الشاب الزواج، أجاب "الحمصي": "أول شيء يجب على الشاب توفير المهر والذي يختلف من حالة لأخرى، لكنه في أغلب الأحيان يكون بحدود مليون ليرة سورية مقدم، ومثلها مؤخر".
وتابع بالقول: "يضاف إلى ذلك موضوع ايجار المنزل الذي يصل كحد وسطي إلى 100 دولار شهرياً، إضافة لاستئجار صالة أفراح للرجال تكلفتها 100 دولار خاصة بالرجال، مقابل 100 دولار أجرة صالة أفراح خاصة بالنساء".
كما يحتاج العريس إلى 200 دولار ثمن ضيافة العرس، و50 دولار أجرة سيارات العرس، يضاف إلى ذلك 100 دولار للمطرب والفرقة الموسيقية، وكلها تقديرات وسطية للتكاليف ربما تزيد أو تنقص قليلاً، حسب ما بيّن "الحمصي".
ولم يغفل "الحمصي" عن أهم المتطلبات الأخرى التي يحتاجها العريس كـ "غرفة النوم" والتي هي من أساسيات تجهيز المنزل، إذ تصل تكلفتها لوحدها إلى حدود 400 دولار وتكون طبعاً من النوع الجيد، أما المستعملة فتعد من النوع الرديء وربما يصل سعرها إلى ربع قيمة الجديدة. يضاف إلى ذلك مصاريف أخرى لشراء البراد وأدوات المطبخ وغرفة الجلوس وغيرها من الأثاث والأدوات المنزلية اللازمة لفرش عُش الزوجية.
وقدّر "الحمصي" بشكل عام التكاليف اللازمة للشاب المقبل على الزواج في مدينة الباب بـ 2000 دولار إذا كان يريد السكن مع أهله، وبـ 5000 دولار إذا كان يريد السكن في منزل مستقل هو وزوجته فقط.
وخلافاً لما ذكره "الحمصي" حول تكاليف الزواج التقريبية، قالت بعض المصادر المحلية لـ "اقتصاد" إن هناك "بعض العائلات" لا تفرض شروطاً تعجيزية على الشاب المتقدم لطلب يد ابنتهم، رغبةً منهم في تيسير الأمور وتخفيفها على الشاب في ظل الظروف التي يعانيها غالبية سكان المدينة.
"عمار نصّار" الناشط الميداني وأحد العاملين سابقاً في المجال الخدمي داخل مدينة "الباب"، قال: "هناك صعوبات عديدة تواجه المقبل على الزواج، تبدأ المهمة الشاقة برحلة تجميع المهر في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنطقة وفي ظل شح فرص العمل والركود الكبير في أسواق المدينة، وما يجنيه الفرد قد يسد بعضاً من متطلبات الحياة الرئيسية من مياه للاستخدام اليومي، ومياه صالحة للشرب، وكهرباء، وايجارات منازل، ومصاريف المأكل والمشرب والانترنت والمواصلات".
وأضاف أن من كان له أخ أو أب مُعين، وتمكن من جمع المهر، يواجه همّ مصاريف العرس. ويختصر العديد من الشبان الحفلات، بعضهم تضامناً مع ما يحدث في إدلب وحماة، وبعضهم بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة، فيقتصر إشهار الزواج على مراسم الزفة وجمعٍ من الشباب في منزل والد العريس أو أحد جيرانه، وجمعٍ من الأقارب وصديقات العروس في منزلها.
ولفت "عمار نصّار" في الوقت ذاته إلى أن صالات الأفراح لم تعد تعج بمواعيد الزفاف كما كان سابقاً، للأسباب آنفة الذكر.
وتابع "نصّار"، أنه في حال قرر العروسان العيش في منزل مستقل ستتضاعف الأعباء عليهما بدءاً بالإيجار والمهمة الشاقة لإيجاد منزل بسعر مناسب، مروراً بفرش ذلك المنزل وصولاً إلى تكاليف المعيشة من فواتير ومأكل ومشرب، كما أن الأحوال المادية الصعبة والجمود في اقتصاد المدينة يجعل التمكن من "الدّين" أمراً صعباً جداً.
وأكدّ "نصّار" أن انعدام الخدمات الأساسية في المدينة واضطرار السكان للجوء إلى الخدمات البديلة والتي من الطبيعي أن تكون أكثر تكلفة، بالإضافة لضعف الدخل بسبب تدني الأجور في الوظائف الحكومية وضعف الوارد في العمل الحر، كل ما سبق يثقل كاهل السكان، ويجبر كثيراً من الشباب على تأجيل موضوع توديع العزوبية وسلك طريق الزواج ومسؤولياته.
ويعيش في مدينة "الباب" شرقي حلب نحو 150 ألف نسمة ما بين سكان أصليين ونازحين ومهجرين إليها من مختلف المحافظات الأخرى.
عن اقتصاد - أحد مشاريع زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية