أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تقدم..تخلف ... شوقي حافظ

بطل رواية (الحب في زمن الكوليرا) للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز قسّم العالم إلى قسمين أو معسكرين لا ثالث لهما: الأول متقدم ناهض متمتع بجميع الحريات يشمل كل البشر الذين يستطيعون التخلص من فضلاتهم بسهولة، والثاني متخلف فقير يضم جميع من يواجهون مشاكل في تصريف مخلفاتهم الغازية والسائلة والرخوة! أتأمل هذا التعريف ـ التصنيف الساخر وأجد فيه بعض المصداقية: فأصحاب القسم الأول لديهم أجهزة هضم عالية الكفاءة تستطيع إتمام عملية التمثيل الغذائي (الميتابوليزم) بقدرة كبيرة تسمح بسهولة الاستفادة من الغذاء ويسر التخلص من فضلاته، أما من ينتمون إلى القسم الثاني فمن أصحاب المصارين الناشفة المتقرحة التي تسبب عسرا في أي خروج قد يتماثل مع صعوبات الولادة!
هناك فرق آخر، فأصحاب المعسكر الأول لابد انهم يحصلون على طعام جيد متوازن في مكوناته، وبرعاية صحية ممتازة، ويلتزمون بنمط حياة صحي يحافظ على كفاءتهم البدنية، ويتمتعون بحريات عامة تحول دون إصابتهم بالكبت والاحباط والهم والغم .. تلك التي تؤدي إلى الاصابة بما يسمى (سايكو سوماتيك) وهي الأمراض العضوية ذات المنشأ النفسي، وأولها وأشهرها قرحة المعدة والامساك المزمن الذي يحوّل المخلفات الرخوة إلى شيء شديد الصلابة، يمكن لمحاولات التخلص منها أن تصيب صاحبها بفتق أو بالبواسير! وطبعا من ينتمون إلى القسم الثاني يتمتعون بكل هذه المصائب!
ومزيدا من التأمل في هذا التصنيف الساخر، ربما يدفعنا إلى البحث عن ارتباط ما بين الديموقراطية وكيفية التخلص من فضلات البشر، كما انه يفسح مجالا واسعا لمحاولة وضع مفاهيم جديدة للتقدم والتأخر، وللتحالفات الدولية التي تتم بين أصحاب الفسطاط الأول لإحداث مزيد من الامساك في المصارين الغليظة لأهل الفسطاط الثاني، وقد يتطلب الأمر طرح هذه المفاهيم على مجلس الأمن الدولي لإقرارها في أقرب اجتماع له، سيكون مناسبا أن يتم في دورة مياه عامة!



جريدة الوطن العمانية

(129)    هل أعجبتك المقالة (108)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي