أمام جدار في حديقة منزلية بمدينة إدلب يبدو الفنان الشاب "أبو مالك الشامي" منهمكاً بوضع الرتوش الفنية الأخيرة على لوحته التي اختار لها عنوان "زفير الموت"، وتحاكي اللوحة التي رُسمت أول مرة داخل مدينة "داريا" في الغوطة الشرقية مأساة ليلة الكيماوي الذي تعرضت له الغوطة في 2013/8/21.
وينحدر "الشامي" من منطقة "كفر سوسة" في دمشق عاش حصار مدينة "داريا" عام 2013 وبدأت موهبته الفنية بالرسم على الورق وألواح الكرتون.
وفي العام 2014 رأى الناشط "مجد معضماني" الذي استشهد فيما بعد أعماله فشجعه -كما يروي "الشامي" لـ"زمان الوصل"- على استيحاء تجربة الرسم على الجدران في "بنش" و"سراقب" و"كفر نبل"، فتشجع للفكرة بهدف تزيين جدران "داريا"، وإعادة روح الثورة إليها، وكانت هذه التجربة الأولى -حسب قوله- بمثابة تحدٍ بالنسبة له، ورسم العديد من الموضوعات والأفكار عن الثورة في حالة قوتها وضعفها وأخطائها، كما يقول، ورسالة هذه الثورة للعالمن وكذلك عن الحصار ومعاناة الأهالي والحصار والصمود وأنجز -كما يؤكد- 30 جدارية في أماكن متعددة من المدينة المحاصرة لكل منها فكرة ورسالة ومعنى وكان –كما يقول- بالفحم الطبيعي لإمكانية المحو أو التغيير ثم يعبىء اللوحة بالدهان المتوفر في مستودعات المدينة المقصوفة، ومع الوقت بدأت هذه المواد اللازمة للرسم تخف فلجأ إلى الخلط واستخراج ألوان من عناصر طبيعية.

بعد نزوحه إلى الشمال السوري عام 2016 أكمل الفنان الشاب دراسته، حيث نال شهادة البكالوريا عام 2017 والتحق بكلية الهندسة المدنية، ولكنه اضطر لتعليق الدراسة لظروف خاصة.
ولفت الشامي إلى أنه لم يتمكن من العمل الفني بحرية في الشمال السوري نظراً لعدم استقرار الأوضاع الأمنية هناك كما كان الحال في "داريا"، ولذلك اتجه لتعلم الخط العربي والرسم من خلال دورات فنية وتطوير ذاته، ونال دبلوم فنون جميلة عن طريق النت، وشارك في معرض "سراقب" الذي أُقيم عام 2018 ورسم لوحة لمؤسسة "كش ملك" وكانت تجربته الأولى مع "ايماء" وهو مشروع فني يشرف عليه الفنان "هشام مروان" واتفق معه على رسم لوحات في الذكرى السادسة لمجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية ومنها لوحة "زفير الموت".
ونوّه "الشامي" إلى أن لوحته الجديدة التي صممها كفكرة الفنان "هشام مروان" تم تنفيذها أول مرة في الغوطة الشرقية من قبل فنانة محاصرة عام 2015 وقام بتنفيذها مجدداً في إدلب تكريماً لأكثر من 1400 روح ودعناها في ليلة الكيماوي ـ حسب قوله- لافتاً إلى أنه رسم لوحة زفير الموت بداية بالفحم ثم بالإكليريك ثم لونها.

وتحكي اللوحة عن السلاح الكيماوي الذي استخدمه النظام ضد أهالي الغوطة وتصور طفلاً معرى من الملابس يرتدي قناعاً ويجلس حاملاً وردة صفراء وتحيط به أدخنة الغازات السامة، وتجسّد اللوحة-كما يقول– زفير الموت لأن الاستنشاق يعني رمز الحياة بينما الزفير شيء سلبي ويرمز إلى الموت.
وتابع الفنان أن لمجزرة الكيماوي المروعة ذكرى راسخة في حياة من تبقى من أهالي الغوطة أحياء، ولا ينسى -كما يقول- لحظة حدوث المجزرة، حيث كان محاصراً في "داريا" بتاريخ 21/8/ 2013، وأفاق على خبر أن النظام ضرب سلاحاً كيماوياً، وهي المرة الأولى التي يعرف فيها ماذا يعني هذا السلاح، وبقي لساعات مرعوباً لا يعرف ماذا يفعل أو كيف يتصرف.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية