أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إرباك داخلي وخارجي حيال ضبابية الصورة في إيران. ... مهى عون

 

       بالرغم من قلة المعلومات الواردة من إيران بسبب التشدد والتضييق الممارسين على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، أجمعت مختلف الدوائر السياسية والدبلوماسية حول العالم والمتابعة لمجريات موجات العنف التي تسود حالياً مختلف مدن ومناطق إيران، على القول بأن الأحداث الأمنية، حتى ولو تم تطويقها خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، سوف تترك دمغتها على شكل السلطة المفترض تشكيلها بعد الانتخابات الرئاسية، بل وأكثر من ذلك قد ترخي بظلالها على مستقبل النظام الديني القائم برمته. وذلك بسبب اهتزاز الصورة التقليدية القائمة على الإجماع السياسي والشعبي المطلق للقيادة المركزية، والدعم المفترض والغير مشروط لها، وهي صورة اجتهد الإعلام الإيراني على تسويقها بعد قيام الثورة الخمينية على المستوين الداخلي كما الخارجي. 


     فالتيار الإصلاحي والذي تحول اليوم إلى رأس حربة في التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية واصفاً القائمين عليها بالمزورين والفاسدين، تحول إلى نموذج فاقع لهذه التحركات المعارضة. ولا نقول تحركات "مناهضة" حتى الساعة، كون القائمين على هذه التحركات الشعبية هم من رعيل المؤسس آية الله خميني، ومن الذين واكبوا ودعموا قيام الثورة الإسلامية مثل السيد هاشمي رفسنجاني، والرئيس السابق محمد خاتمي، والمرشح الرئاسي الثالث مهدي كروبي والذي نال 14 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية. ومن المستبعد أن يساهم هؤلاء وهم من المؤسسين الأوائل بدك أسس الجمهورية الإسلامية. ولكن رفسنجاني وهو وجه مرموق وتعود له وظيفة مراقبة أداء المرشد الأعلى، كما رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام، اعتبر أن الرئيس نجادا المقرب من المرشد الأعلى والذي هاجمه واتهمه بالفساد، هو الذي ساهم في عملية "سرقة إرادة الشعب" عن طريق التزوير بالانتخابات لمصلحته.
 هذا مع العلم أن التيار الإصلاحي والذي دعم المرشح المحافظ المعتدل مير حسين موسوي، بات يلاقي دعماً شعبيا واسعا في الشارع ليس فقط بدافع الاحتجاج على نتائج الانتخابات، ولكن أيضا على خلفيات حياتية تتعلق بتفاقم الأوضاع المعيشية، بشكل عام. وإذا لازم التيار الإصلاحي في السنين الأربع الماضية من رئاسة نجاد جانب التكتم والسكوت، أولاً عن أخطائه في المجال الاقتصادي حيث قاربت نسبة التضخم  ال 23،6% ، ونسبة بطالة ال 17%، وثانياً عن سياسته الخارجية التي ساهمت في رفع مستوى العداء تجاه إيران على الصعيدين العربي والغربي، فذلك كان من منطلق مبدئية الحفاظ على وحدة الصف، لمواجهة الهجمة الغربية والعالمية على إيران.

وبما أن الحاجة لهذا الاصطفاف والتضامن انتفت في ظل اعتبار المرشح أمير حسين موسوي بأن الانتخابات مزيفة ومزورة،  يمكن القول بأن خلل ما أصاب التوازن الذي كان قائماً، ولكن بفارق أن هذا الخلل قد يصبح بمثابة الكسر الذي يصيب آلية خزفية والتي بعد ترميمها تظل الفسوخات موجودة وظاهرة فيها، تهدد بانهيار الإناء وتفككه  في أي وقت. 


 إن خروج المعارضة إلى العلن وإلى الضوء وبهذا الشكل وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، هو مربك حتما للرئيس نجاد، كما للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي. وقد لا يجد الرئيس نجاد وسيلة للخروج من حرجه تجاه محازبيه، ولوضع حد للتأزم الحاصل على مستوى الشارع الإيراني سوى بالسعي للحد من عزلة إيران من أجل التخفيف من قبضة العقوبات الاقتصادية المفروضة دولياً عليها والتي تصيب بالدرجة الأولى الشرائح الشعبية .

وهو مسعى قد يدفعه لتقديم بعض التنازلات فيما خص البرنامج النووي الإيراني، والتي تثار حوله إقليمياً وعالمياً، حملات مركزة.
 وغني عن الذكر أن إرباك نجاد سوف يصب في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية، والتي قد تكون إعادة انتخاب أحمدي نجاد الفرصة الذهبية لها لكسر الجمود وحالة المراوحة التي ميزت المفاوضات مع إيران على مدى العقود الماضية.

يرشح هذا الارتياح من خلال التصاريح الصادرة على لسان المسؤولين في الإدارة الأميركيين والتي بالرغم من تعبيرها عن حالة ترقب وانتظار وقلق، لم تستثني نية إدارة أوباما في المضي قدما بسياسة الانفتاح تجاه إيران، بغض النظر عن الإشكالية المثارة حول صحة نتائج الانتخابات أو عدمها، أو شكل السلطة المقبلة. المهم بالنسبة للولايات المتحدة كما جاء على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون أن تكون السلطة المنبثقة من الانتخابات تعبر عن الإرادة الشعبية الإيرانية الحقيقية. 


   والرئيس أوباما الذي اعترف بدور "الجمهورية الإسلامية" على الصعيد الإقليمي، منزعج وقلق اليوم من الأحداث الأمنية وضبابية نتائجها..... وهو عقد النية على الانفتاح على إيران وعلى التحاور معها فيما خص برنامجها النووي، ولكن من المهم له أن يحاور طرفاً واحداً لا طرفان.

 ونموذج غزة قد يكون مربكاً له ومعيقاً لعملية التفاوض بشكل عام ، بل سوف يعود بعملية الحوار بسبب هذا الضياع وهذه التشتت في السلطة إلى مستنقع المراوحة السابق .

 وعلى اعتبار أنه لا بأس في المراوحة إذا كانت ستطال المسرحين، مسرح المحادثات والتفاوض، ولكن في نفس الوقت مسرح البرنامج النووي لانشغال السلطة الجديدة بتطويق الحركات الشعبية، وعلى اعتبار أن هذا كان رهان الإدارة الأميركية من الأساس، فعلى ماذا تراها تراهن إدارة أوباما غداً؟
 
                                                

كاتبة وباحثة سياسية لبنانية e.mail:[email protected]
(96)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي