"ماتت أمي، ماتت أختي عبير، ماتت مرة عمي حنيفة، ماتت مرة عمي بشار، مات حمودة، مات أحمد، ماتت هبة، مات عبدالرزاق، ماتت علياء، ماتت سلسبيل، ومات الولد الصغير وعبدالقادر.. قلت له كلهم ماتوا، قال إيه، قلت له: استودعتهم عند من لاتضيع عنده الودائع".. بهذه الكلمات تروي السيدة "جهيدة السعيد" من إدلب، شهادتها على استشهاد 12 فردا من أسرتها في وقت واحد، كانت معهم عندما قصفهم طيران الإجرام الروسي في بيتهم بقرية "فيلون" بريف إدلب.
شهادة "السعيد" جاءت ضمن برنامج "حكاية حاج" الذي تبثه منذ 5 أعوام "لجنة الحج العليا السورية"، حيث تمكنت ربة الأسرة التي ثكلت بـ4 من أولادها من أداء مناسك الحج لهذا العام.
بدأت مأساة "السعيد" كملايين السوريين مع إطلاق النظام حربه المجنونة عليهم، حيث كانت منطقتهم تتعرض للقصف بشكل مستمر، ما خلف دمارا وشهداء وجرحى، وأجبر كثيرين على النزوح، ومن بينهم "السعيد" التي غادرت برفقة زوجها وأطفالها الأربعة نحو تركيا، وبعد إقامة تناهز عامين ونصف، قررت العائلة العودة بعدما أصبحت إدلب خارج سيطرة النظام كليا، وظن الناس أنهم باتوا بمأمن من تغول الأسد وأعوانه من روس وإيرانيين.
كانت "السعيد" وفق روايتها تتوقع كل يوم أن يقصفهم النظام، حتى جاء يوم 16 كانون الثاني/يناير 2016 حيث حلق فوقهم طيران حربي ملقيا بصواريخه على دارهم، بينما كانت الأم وسط أولادها.
من شدة الضربة غابت الأم عن الوعي لبعض الوقت، ولما استفاقت وجدت الطبيب الذي يحاول معالجتها يبكي من هول إصابتها، قبل أن يبتر لها إحدى يديها، فيما قرر الانتظار لليوم التالي حتى يرى حالة اليد الثانية إن كانت تتطلب البتر أو لا.
وما إن أنهى الطبيب عملية البتر وصحت من التخدير، حتى سألت "السعيد" بلهفة الأم عن أطفالها، فحاول من يحيطون بها تخفيف المصاب عنها بالادعاء أن 3 منهم فقط قضوا نحبهم فيما نجا الرابع "أحمد"، فحمدت الأم ربها على أن أبقى لها "أحمد"، معقبة: "فرحتي ببقاء أحمد غلبت حزني على إخوانه الثلاثة".
ثم تفكرت الأم قليلا بكلام من حولها، وسألتهم لماذا لم تحضروا أحمد حتى أراه، فقالوا لها إنهم برفقة أبيه يواسيه، فنظرت الأم مليا وتذكرت أن الصاروخ سقط أقرب إلى "أحمد" من أي شخص آخر، وتيقنت أنه قضى مع إخوته، وكانت هذه هي الحقيقة التي حاول الناس إخفاء جزء منها عن الأم مخافة أن تسبب لها ما لايحمد عقباه، فما نزل بها من مصيبة لا يمكن للجبال أن تحمله.
لكن الأم خالفت ظنون الجميع بها، وظهرت صابرة محتسبة متماسكة، حتى إنها لم تذرف دمعة واحدة من عينيها، وكل ذلك بفضل طاقة الصبر الكبيرة التي منحها الله لمواجهة المصيبة.
وعددت "السعيد" أفراد أسرتها واقاربها الذين ماتوا في القصف الروسي بالاسم، مبينة أن الأطفال (وهم الأكثر في حصيلة المجزرة) كانوا يدفنون كل اثنين أو 4 في قبر، وأن هناك من الأطفال من تحول جسده الغض إلى أشلاء صغيرة تم تجميعها يوما بعد يوم (على مدى أسبوعين) من محيط الغارة، ومع ذلك فإن ما تجمع من أشلاء 4 أطفال بالكاد ملأ كفنا صغيرا للغاية، قبل موارته الثرى.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية