مؤيد شاب في الثامنة والثلاثين من العمر تقدم لخطبة الفتاة التي يحبها من أهلها، فقوبل بالرفض الشديد وأسباب هذا الرفض كثيرة على حد قوله، ومن جملة هذه الأسباب، رفض أهل العروس أن تسكن ابنتهم في منزل لا يليق بها، عدا عن أمور تتعلق بالمهر الخيالي الذي طلبه والد العروس.
والظروف التي أجبرت مؤيد على العدول عن فكرة الزواج هي نفس الظروف التي دفعت الكثيرين من الشبان إلى التفكير ألف مرة قبل الدخول في متاهة الخطبة وطلبات الأهل التي لاتنتهي.
.
- شروط معقدة
عماد(31 عاماً) يقول: في بادئ الأمر رفضت الإقدام على فكرة الزواج، ولكن إلحاح أهلي جعلني أفكر في هذا الموضوع جدياً، لاسيما أن عمري لم يعد صغيراً كما يقولون، وبالفعل تقدمت لخطبة إحدى بنات الجيران، إلا أنني صدمت بطلب والد العروس مهراً يفوق قدرتي المادية بكثير، حيث كان المهر المطلوب مليون ليرة مقدم ومليون ليرة مؤخر، وبالتأكيد هذا المبلغ بالنسبة لشاب موظف مثلي غير منطقي, عدا عن طلبهم تأمين منزل لابنتهم في منطقة راقية, وإقامة حفل الزفاف في أحد الفنادق الفخمة، ما جعلني أفر هارباً إلى غير رجعة.
أما عيسى (29 عاماً)، فاضطر لفسخ خطبته, بسبب رفض أهل العروس المفاجئ لدخله المادي، يقول: استمرت الخطبة لمدة سنة كاملة, وكانت خطيبتي وأهلها على علم بأوضاعي المادية الصعبة, لكن فجأة ودون سابق إنذار, أرسلت لي الخاتم, وعندما سألتها عن السبب اكتفت بالقول :» لايمكن لي أن أعيش مع شاب من ذوي الدخل المحدود».
- شروط أخرى
- خلاف غير مبرر
- حفل أسطوري
شهر العسل
يحمّل الشباب أهل الفتاة مسؤولية المشاكل التي تؤدي إلى فسخ الخطوبة, وكثيراً ما سمعنا عن حالات تم فيها انفصال العريس عن عروسه قبل أيام من الزواج, وربما في اللحظات الأخيرة.
سهيل (34 عاماً) يقول: ألغيت حفل زفافي قبل أيام من موعده, والسبب في ذلك، إصرار أهل العروس على إقامة حفل كبير ودعوة الأقرباء والأصدقاء والجيران إليه, علماً بأني اتفقت أنا وخطيبتي على عدم إقامة حفل زفاف, واستثمار هذه المصاريف الزائدة في نظرنا، إمافي السفر إلى الخارج لقضاء شهر العسل أو تشغيلها في أحد البنوك.
تبريراتهم
توجد نسبة كبيرة من الأهالي في مجتمعنا يرفضون تزويج الفتاة لشاب غير موظف, حتى وإن كان لديه عمل حر, على اعتبار أن الوظيفة الحكومية هي الضمان الوحيد لتعيش ابنتهم حياة مستقرة.
أبو إياد يقول: من الطبيعي جداً أن أحلم بأن تتزوج ابنتي من شاب مقتدر مادياً, وفي أيامنا هذه من الصعب أن ترتبط الفتاة بشاب غير موظف, ومهما يكن فالعمل الخاص أو الحر لن يكون كالعمل ضمن قطاعات الدولة, وشخصياً رفضت الكثير من الشبان, بسبب هذه المشكلة على اعتبار أنها جزء جوهري وأساسي في الزواج.
تعتبر العادات والتقاليد التي يمشي الأهل على هديها أمراً له قدسية من نوع خاص, ولكن ماذا لو كان بعض هذه العادات والتقاليد مؤذياً للفتاة نفسها, كأن يرفض الأهل تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى, ومثال هذه الحالة في مجتمعنا حاضر وراسخ في أذهان الكثيرين من الأهالي. نور (32 عاماً) تقول: تقدم الكثير من الشباب لخطبتي, لكن أهلي كانوا يرفضون باستمرار، لأن أختي الكبرى لم تتزوج بعد, ولا يمكن قبول فكرة زواجي قبلها هي, علماً بأنه توفرت لي فرص مناسبة جداً من حيث الأشخاص الذين تقدموا لي, والمؤسف في الأمر أن أبقى إلى الآن وبسبب تفكير أهلي المعقد دون زواج أنا وأختي. مع تعدد الأسباب التي يرفض الأهل بسببها تزويج بناتهم, تتفاقم مشاكل أخرى, وتطفو على السطح بشكل تصبح فيه مشكلة رفض العريس مرهونة بنتائج غير متوقعة, كالسلوك المتمثل في لجوء الشباب إلى المساكنة,أو إقامة علاقة خارج إطار الزواج المعترف به من الأهل, ولجوء الفتيات إلى عمليات «الترقيع», خوفاُ من مصير مجهول.
رأي الدين
الدكتور محمد وهبة (أستاذ في معهد الفتح الإسلامي) يرى أن المتطلبات المادية والحاجات الضرورية تقف عائقاً في وجه بناء الأسرة، حيث يصطدم شباب هذا اليوم بالمزيد من الأعباء والمتطلبات التي تثقل كواهلهم، فلايستطيعون أن يبنوا أسرة تسهم في بناء مجتمع تعمه السعادة والطمأنينة وهذا بالتأكيد على خلاف ما جاء به الشرع الحنيف، حيث بنى هذا الدين الحياة على اليسر والسهولة وعدم التعقيد والنبي محمد عليه الصلاة والسلام، قال: « إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» فالمجتمع الذي يسأل عن الرصيد في البنك والسيارة والبيت الفاخر وغير ذلك من ماديات الحياة قبل أن يسأل عن الأخلاق والدين مجتمع يقبع في مدلهمات الخطر.
¶ السعادة ليست في المال
وعن أسبا ب العنوسة يقول الدكتور وهبة: من أهم أسباب العنوسة في مجتمعنا، أن مايطلبه الأهل من مهور ومايشترطونه من مزايا مادية هي من أكثر الأسباب التي تدفع شبابنا اليوم إلى التأخر في الزواج، وكلنا يعرف أن السعادة ليست بالمال فقط؛ فكم من غني يعاني من اكتئاب وكم من فقير سعيد، والله عزوجل يقول في كتابه الكريم «إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله»- النور(32) ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله وجهه»التمس ولو خاتماً من حديد» وهذا يعني أن المهر ليس ثمناً للمرأة وبالتالي المرأة ليست سلعة ولا يعني ارتفاع المهر علو شأن المرأة، لذلك على الأهل أن يسهموا في حل مشكلة العنوسة، سواء من قبل الرجال والنساء عبر عدم إرهاق الخاطبين بالمتطلبات المالية الزائدة وللعلم، إن جهاز السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وسادة حشوها ليف. فهل يرضى الآباء لبناتهم مارضيه الرسول الكريم لابنته؟.
¶ التناغم والتوافق
الأب فيكتور،يقول: من المؤكد لايوجد أهل لايرغبون في تزويج أبنائهم؛ فالرغبة الأولى هي السعي بتزويج البنت وإيجاد الشريك المناسب لها من حيث التناغم والتوافق على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أوحتى الديني في بعض الأحيان.
¶ مبرر للأهل
ويضيف الأب فيكتور، إذا رفض الأهل تزويج ابنتهم لشاب أقل منها مادياً، فهذا مبرر للأهل من منطلق الخوف من انتقال ابنتهم من وضع مادي جيد إلى أقل؛ فالرفض هنا ليس للشخص بحد ذاته، إنما الخوف من التغير السريع الذي سيطرأ على حال ابنتهم في حال تزوجت من شاب لايملك مقومات الحياة التي تعيشها في منزل أهلها ولكن لايمنع وجود استثناءات، فبعض الأهل يغالون عندما يكونون في وضع مادي سيئ ويرهقون الشاب المتقدم لخطبة ابنتهم بمتطلبات تفوق قدرة هذا الشاب وهذا يكون لمجرد التعويض عن الحرمان وهذا خطأ يرتكبه الأهل.
¶ اتفاق الشاب مع الفتاة
وعن مهر المرأة، يقول الأب فيكتور: في الدين المسيحي لايوجد مايسمى المهر وبالتالي اتفاق الشاب مع الفتاة هو المهم لعقد الزواج، فالمهر في المجتمع كما هو متداول مرتبط بالعادة، فإذا تم إعطاء مهر مرتفع للمرأة، هذا دليل على أنها عالية الشأن وهو تكريم لها، وأحياناً يكون رفع المهر لمجرد الغيرة وهذا تفكير خاطئ وجهل كبير.
¶ التناغم الاجتماعي
يشير الأب فيكتور إلى أن التناغم الاجتماعي مهم لأي علاقة ناجحة بين زوجين، فالزيجات التي تقوم على أساس الاختلاف في المستوى المادي والاجتماعي نادراً ماتنجح. وما هو مرفوض، أن يزوج الأهل ابنتهم بهدف الحصول على المال وهذا يعتبر تجارة في الزواج واستغلال للمرأة ذاتها.
الهروب حلاً للمشاكل
يلجأ كل من الشاب والفتاة, إلى الزواج خارج إطار رعاية الأهل, للتخلص من الضغوط التي يفرضها الأهل، سواء كانت هذه الضغوط متعلقة بأمور مادية, أم عادات اجتماعية, ودينية محصنة من الصعب اختراقها, ورفض الأهل العريس دفع الكثير من الشبان إلى زواج « الخطيفة», وفي حالة كهذه لا يفكر الأهل بمسببات هذا الزواج, بل في النتائج المتمثلة في الخروج عن الطاعة.
وائل مثلاً هرب مع حبيبته إلى لبنان بعد أن تزوجا بسبب رفض أهل العروس تزويجهما لأسباب تتعلق باختلاف الدين, يقول: أنا مسلم وزوجتي مسيحية, حاولت في بادىء الأمر إقناع أهل زوجتي، ولكن دون فائدة, لذا لم أجد وسيلة أمامي سوى الزواج ودون موافقة أهلها.
تبريراتهم
وضمن الكثير من المتغيرات والانفتاح الذي يعيشه مجتمعنا، أصبح عصياً على الأهل معرفة التفاصيل المهمة التي يعيشها كل من الشاب والفتاة, بخاصة الفتاة كونها الحلقة الأضعف في كل ماذكر, وغلطة الفتاة من منظور العادات المتوارثة بألف. وفي استبيان قامت به «بلدنا» تبين أن نسبة 80 % من الأهالي لايعرفون شيئاً عن حياة بناتهم الخاصة, أو علاقتهن بالجنس الآخر. كما أن 99 % من الفتيات اللواتي لجأن إلى المساكنة السرية قمن بذلك دون معرفة من أهلهن, ومعظم هؤلاء الأهالي خارج البلد, أو في محافظات أخرى بعيدة. وبين الاستبيان أن نسبة 70 % من الشباب اليوم تأخروا في الزواج بسبب المتطلبات الكبيرة التي يتطلبها الزواج
بلدنا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية