تقرير.. مناطق الأسد جوع وفقر مدقع وغلاء وجرائم قتل وخطف

تناول تقرير جديد لصحيفة "الشرق الأوسط" أحوال المدنيين السوريين في مناطق سيطرة نظام الأسد، مسلطا الضوء على ارتفاع نسب الفقر والأسعار وحوادث القتل والخطف والسرقة.

وأوضحت أن أصوات الموظفين في دمشق ارتفعت مطالبة بزيادة الرواتب، بعدما باتت الشريحة الكبرى من الناس ترزح تحت خط الفقر، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار.

ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم إن وعود النظام بتحسين مستوى المعيشة هي تخدير للناس ليس إلا، لأنها "مفلسة"، في وقت تزايدت فيه حالات السطو المسلح على المصارف وشركات الحوالات المالية في العاصمة ومحافظات أخرى، وذلك في ظلّ تواصل حالة الانفلات الأمني وعجز الحكومة عن ضبطها.

وقالت: "أثناء تجمع عشرات من المواطنين على باب مكتب في إحدى الدوائر الحكومية للحصول على وثيقة (إخراج قيد)، كان موظف يتولى مهمة تنظيم الدور يطالب بين الحين والآخر الناس بالانتظام وعدم التدافع، لكن لوحظ ولعدة مرات حصول أحاديث جانبية بينه وبين عدد من المصطفين وأخذه منهم أوراقهم المطلوبة للحصول على الوثيقة ومن ثم الدخول إلى المكتب لدقائق معدودة ومن ثم خروجه ليسلمهم الوثيقة قبل وصول دورهم".

وأضاف أن "هذا الأمر أثار غضب كثير من المنتظرين بفارغ الصبر وصول دورهم، ودفعهم لمطالبة الموظف بتنظيم الدور وليس تجاوزه علناً بهذه الوقاحة مقابل 500 أو 1000 ليرة".

وأكدت الصحيفة أن "سنوات ما قبل الحرب المستمرة في سوريا منذ نحو 8 سنوات، كان المواطنون نادراً ما يجرؤ أحدهم على المطالبة العلنية بزيادة الرواتب خوفاً من تقارير (كيدية) لمخبري أجهزة الاستخبارات، كون ذلك يشير ضمنياً إلى انتقاد النظام، وازداد حذر المواطنين من هذا الأمر خلال سنوات الحرب مع الانفلات الأمني والفوضى التي حصلت في البلاد وكثرة مخبري الأجهزة الأمنية.

وشددت أنه "وخلال سنوات الحرب، تراجعت احتياطات العملة الأجنبية لدى الحكومة من 20 مليار دولار أميركي في نهاية عام 2010 إلى 0.7 مليار دولار، في حين انخفضت الليرة السورية من نحو 50 ليرة إلى أكثر من 600 ليرة في مقابل الدولار الأميركي حالياً، مع ارتفاع جنوني في أسعار السلع توازى مع قيمة الدولار مقابل الليرة".

ولفتت إلى أن هذا "الوضع خلف عواقب كارثية على التكاليف المعيشية للمواطنين، مع مراوحة متوسط الراتب الشهري لموظف حكومي بين 30 و40 ألف ليرة سورية، في حين لا يتعدى متوسط راتب موظفي القطاع الخاص 65 ألف ليرة سورية، ما أدى إلى اتساع شريحة الفقراء في البلاد، وبات بحسب بحث أجراه (المركز السوري لبحوث السياسات) بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت مؤخراً، أكثر من 93 في المائة من السوريين يعيشون في حالة (فقر وحرمان) بينهم نحو 60 في المائة يعيشون في (حالة فقر مدقع).

ونقلت عن موظف في إحدى المؤسسات التابعة للنظام قوله إن "الحديث الأبرز هذه الأيام بين الموظفين خلال ساعات العمل، هو تطلعهم إلى زيادة معقولة للرواتب تنتشلهم من الوضع المأساوي الذي يعيشونه"، مضيفا أن"الناس نفد صبرها وانفجرت، لأن الوضع لم يعد يحتمل إطلاقاً، بعد أن وصل الموظف إلى درجة عدم القدرة على تأمين مستلزمات عائلته الأساسية، وكثير منهم إلى مرحلة الجوع".

وتابع: "لم يبقَ إلا أن نقف أمام المساجد ونستجدي الناس لنأكل!"، في إشارة إلى انتشار ظاهرة التسول وبشكل كبير في مناطق سيطرة النظام.

وقالت الصحيفة: "منذ اندلاع الأحداث في البلاد منتصف آذار/مارس عام 2011 وتحولها إلى حرب طاحنة بعد عدة أشهر، أصدر بشار الأسد 4 مراسيم بزيادة الأجور والرواتب الشهرية؛ الأول في عام 2011، والثاني في 2013 والثالث في 2015 والرابع في 2016، في حين أصدر في عام 2018 مرسوماً بزيادة رواتب العسكريين".

وأوضحت أنه "لم تتجاوز نسبة زيادة الأجور والرواتب الشهرية في أي من المراسيم السابقة 30 في المائة من مجمل المرتب الشهري".

وشدد مدرس في إحدى مدارس ريف دمشق أنه و"لو تمت زيادة الأجور والرواتب الشهرية بنسبة مائة في المائة، لن يحسن ذلك من الوضع المعيشي للمواطن، وقال: "في سنوات ما قبل الحرب كان راتب موظف الدرجة الأولى يعادل 800 دولار واليوم 70 دولاراً، ودراسات تصدرها مراكز مقربة من الحكومة تقول إن العائلة المؤلفة من 5 أشخاص تحتاج شهرياً إلى نحو 300 ألف ليرة أي 500 دولار، وبالتالي رفع راتب الموظف إلى 140 دولاراً لن يحل المشكلة".

وأشارت إلى أنه غالباً ما تقابل تصريحات مسؤولي الحكومة حول جهودها لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين بالسخرية، حيث يقول خبير اقتصادي: "بالأصل هل يوجد إنتاج لكي يحسنوه؟!"، متسائلا: "أين النفط لكي يحسنوا إنتاجه؟ أين الصناعة؟ أين الزراعة؟.......؟".

وأوضح أن "رئيس الحكومة صرح مؤخراً بأن هذا الأمر (زيادة الرواتب) يرتب على الخزينة 220 مليار ليرة سنوياً، لا أعلم من أين سيأتون بالمال، المؤشرات تؤكدا أن هناك حالة إفلاس".

وتابعت الصحيفة أن إجمالي خسائر الاقتصاد السوري بلغ بعد دمار كبير طاله من جراء الحرب، حسب تقرير لـ"البنك الدولي"، أصدره منتصف عام 2017، نحو 226 مليار دولار أميركي، ولفت إلى أن نحو 27 في المائة من مجموع الوحدات السكنية قد دمرت أو تضررت جزئياً، بينما تشير الأرقام المحلية إلى أن 67 في المائة من قدرة سوريا الصناعية دمرت بشكل كامل.

وقالت إن "نظام الأسد يتقاسم وقوات سوريا الديمقراطية السيطرة على حقول النفط، لكن غالبية حقول النفط السوري تقع تحت سيطرة الأخيرة في محافظتي الحسكة ودير الزور وتنحسر سيطرة النظام على حقول النفط في مناطق غرب الفرات في دير الزور وسلسلة الجبال التي تعرضت للتخريب خلال المعارك مع تنظيم الدولة".

ولفتت إلى أن إنتاج سوريا قبل اندلاع "الحرب" في عام 2011 بلغ نحو 400 ألف برميل نفط يومياً، أكثر من نصفها للاستهلاك المحلي والباقي للتصدير، أما اليوم فلا تتجاوز نسبة الإنتاج 14 ألف برميل، حسب مصادر النظام.

وأكدت أن النظام أصبح يعتمد بشكل متزايد على المدفوعات المسبقة من البنك المركزي السوري، بالإضافة إلى المساعدات الخارجية من قبل حلفائه، التي تتزايد خلال الحرب بسبب قاعدة الدخل الضريبي المحدودة للغاية، لافتة إلى أنه في عام 2015، تم تمويل ثلث نفقات النظام على الأقل من خلال الاقتراض طويل الأجل من البنك المركزي.

وقالت: "يجري ذلك في ظلّ تواصل حالة الانفلات الأمني في دمشق ومحيطها، فقد قام مسلحان يوم الخميس الماضي باقتحام شركة (الهرم) للحوالات المالية في ضاحية قدسيا الواقعة في محيط العاصمة، حيث جرى إطلاق للنار أدى إلى إصابة شخصين، إضافة إلى إصابة مدير الشركة الذي كان في مقر الفرع لحظة وقوع عملية السطو، وهو أيضاً عضو مجلس مدينة ضاحية قدسيا، وقد توفي لاحقاً متأثراً بجراحه.

وأضافت: "وفي اليوم التالي، كشفت صفحات موالية عن هوية منفذي عملية السطو، ونقلت عن مصادر خاصة أن أحد اللصوص المنفذين للعملية ضابط في جيش الأسد ويدعى (أنس محفوظ)، واللص الثاني يدعى (مهند داود)، بينما أعلنت وزارة الداخلية إلقاء القبض على الجانيين وإحالتهما للقضاء لنيل جزائهما، دون الإشارة إلى هويتهما ووظيفتهما".

وأردفت أن "عملية السطو على شركة (الهرم) للحوالات المالية في ضاحية قدسيا تعرض مكتب شركة (الحافظ) للحوالات في حي الفرقان بمدينة حلب شمال البلاد ليل السبت/ الأحد لعملية سطو مسلح من قبل أشخاص مجهولين، يرتدون أقنعة، حيث سرقوا أجهزة (اللابتوبات) فقط ومبلغاً مالياً بسيطاً، دون الاقتراب من خِزن الأموال الرئيسية".

واستطردت: "لكن عملية السطو المسلح الأبرز شهدتها ساحة الشعلة بمدينة السويداء جنوب سوريا، حيث أكدت مصادر محلية نقلاً عن شهود عيان، أن مسلحين ظهروا بوجوه سافرة، في وضح النهار وأمام المارّة، ولم يحاولوا إخفاء شخصياتهم، وأجبروا سيارة المصرف العقاري الحكومي على التوقف واقتادوها مع السائق إلى جهة مجهولة، وكانت تقل مبلغاً كبيراً من المال يُقدّر بـ35 مليون ليرة".

وختمت بالقول: "منذ اندلاع الأحداث في سوريا وانتشار كثير من المجموعات المسلحة وظاهرة فوضى حمل السلاح في مناطق سيطرة النظام، تشهد تلك المناطق انفلاتاً أمنياً غير مسبوق وتزايدت جرائم القتل والخطف بغرض الفدية والسرقة".