لم يعد هناك من حيز ولا حتى بقدر أنملة يتسع لأي من المفردات التي يمكن أن تكسو الخطاب بلغة الحيادية، فما يفعله "الأستانيون" اليوم في مربط الخيانة، وما صدر عنهم من تصريحات واضحة (لن نتدخل في المخفي)، يجعل من الحيادية دلو ماء بارد يراق فوق شلال الدم الساخن، كما يحولها إلى فعل خيانة للثورة وأرواح كل من ضحوا وراحوا، لا يقل بشاعة وشناعة عن خطوة المتراكضين إلى "أستانة" بزعم الدفاع عن الثورة وحفظ ما بقي من أرواح.
عرفنا منذ عقود من الذي سلط علينا لعنة نظام الأسد، لكننا وللمفارقة ما زلنا حائرين نتساءل: من الذي سلط علينا لعنة "معارضة" نكرة منكرة، إلى درجة يستكثر المرء عليها سؤال القذافي يوما: "من أنتم"؟
لم يعد هناك مجال لمواربة ولا لتلميح، فمن يعجز عن مواجهة المحسوبين عليه كـ"أصدقاء" فإنه عن مواجهة أعدائه أجبن وأعجز.. أستانة مربط الخيانة، وإسطبله الذي يجر إليه الروس وشركاؤهم الأتراك من قيل فيهم "لتركبوها"؛ من أجل أن يسوقوا للشعب المذبوح مشروعات مبتورة ويبيعوه أوهاما مسمومة، وكل ظنهم أن في سوريا حشدا كبيرا من البلهاء الذين "تشط ريالتهم"، كما شطت ريالة الأستانيين أمام بعض الفتات الملقى بيد روسية أو تركية أو إيرانية.
عندما انطلقت الثورة ببساطئها، كان لدى البعض –ومنهم أنا- ظنون اعتقد أنها وساوس، كانت تظل تطن في رأسه وهي تخبره أن الثورة لا تشكل تهديدا للنظام فحسب بل ولمن تم وسمهم والتعريف بهم كـ"معارضة"، وعندما بدأ "هيثم مناع" يهاجمها لأنها خرجت من الجوامع، و"حسن عبد العظيم" يلوم الضحية لأنها تسلحت في مواجهة الجزار، و"رندة قسيس" و... يقولون في الثورة ما يصعب على النظام أن يقوله.. يومها تأكد أن الظنون حقائق وأن خشية "المعارضة" من سحب بساط برستيجها وإلغاء بطاقة احتكارها العلامة المسجلة باسمها، تساوي بل ربما تفوق خشية النظام على كرسيه.
يومها تأكد أن هذه النماذج من "معارضة" متحزبة متعصبة، لم تكن لترضى بنماذج من أمثال عبد القادر الصالح ويوسف الجادر وعبدالباسط ساروت وأمثالهم... ممن أرادوا للثورة أن تبقى نقية كما خرجت، محتفظة بكامل عفويتها وعذريتها، لا تسمح لأحد أن يدنسها بتنظيمات وشلليات، خيرها لآمريها في الخارج وشرها للسوريين.
دعوا الثورة للثائرين، دعوها لأهلها الحقيقيين، أهل المصاب والدم، هم قلبها ولسانها وهم الأوصياء عليها والأمناء على بقية حلم سوري لدى بقية سوريين.. دعوا هؤلاء وشأنهم فلسنا في حاجة لصفقة خيانة جديدة تعيد ما جرى في الغوطة أو درعا، أو حتى حلب التي يتسامر أحد من باعوها (ونحن نعلم ما نقول يقينا) مع مندوب الحرس الثوري الإيراني ويلاطفه كما يلاطف أخ أخاه.. دعوها والحقوا "المنشار" و"أبو بحر" و"نواف البشير" وكل كوهينات الثورة وضفادعها، فهناك يمكنكم الاستغناء عن حذائكم وأخذ غفوة أعمق فوق بسطار جيش الأسد.
إيثار عبدالحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية