دكتوراه في الإعلام - فرنسا
ذكرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية الأسبوع الماضي أن وزير الخارجية الأردني استدعى السفير الصهيوني في عمان، وبلغه احتجاجاً شديد اللهجة لما جرى من نقاش في الكنيست حول اعتبار الأردن وطناً بديلاً للشعب الفلسطيني.
فقط، ومن خلال قراءة هذا الخبر القصير مرة واحدة، نعرف أن الصهاينة يكافئون الأردن على وقوفه في محور الاعتدال، ويكرمونه من خلال نيتهم السيطرة على أرضه.
ففي الوقت الذي يستطيع فيه مسؤولو العدو كلهم زيارة الأردن، وفي الوقت الذي يرفرف فيه العلم الصهيوني في عمان، تفكر الحكومة الإرهابية في تل أبيب بسلب الأردن، وسلب فلسطين كلها، فتسلم غزة إلى مصر وتلحق الضفة الغربية بالأردن.
إننا لا نعارض بكل حال أن يعيش الفلسطينيون في الأردن وفي سورية والعراق فكل بلد عربي هو حق لكل عربي أن يعيش فيه بل ويموت فيه، ولكن أن يعيش حرّاً لا مطروداً ولا مستعبداً.
تعرف الحكومة الأردنية كما يعرف كل طفل عربي، أن الصهاينة يخططون منذ مطلع القرن قبل الماضي لجعل باطن الأرض وطناً للشعب العربي، لا لجعل الأردن وطناً لأبناء فلسطين، فهم يطالبون مؤقتاً، وكحلّ مرحلي بجعل الأردن وطناً للفلسطينيين ثم جعل السعودية وطناً للأردنيين، ثم جعل البحر أو أعماق الأرض وطناً للسعوديين وهكذا، وهم يفكرون بأن تكون القاهرة و دمشق و بغداد مدناً صهيونية، وأن تكون المدينة ومكة مرتعاً للصهاينة من بني النضير والقينقاع، إذ لا مكان للعرب والمسلمين في الفكر الصهيوني إلا القتل، ولن يشفع للأردن الهاشمي أنه عقد صلحاً مع هذا العدو الإرهابي، فالحيوانات المتوحشة تبدأ أولاً بافتراس أصحابها.
وقد بلغت الوقاحة الصهيونية ذروتها، عندما أعلن بعض أعضاء الكنيست الصهيوني، أن جعل الأردن وطنناً للفلسطينيين يستجيب لطلب المجتمع الدولي بإقامة دولة فلسطينية، فهم سلبوا فلسطين تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وهم اليوم يريدون أن يضعوا أبنائها في دولة أخرى بموافقة المجتمع الدولي. ولم لا طالما أن الأردن لا يزال متمسكاً بعلاقات حسنة مع العدو، ولا يزال يتمسك بخيارات المجتمع الدولي.
في مطلع هذا العام، حيث قامت الآلة الصهيونية بتدمير غزة فوق رؤوس أهلها، وحيث تفنن الجيش الصهيوني بقتل الأطفال في فلسطين، بالفسفور الأبيض وبالأسلحة المرحمة دولياً، أصر البرلمان الأردني على التقدم بشكوى في لاهاي يعتبر فيها أن الصهاينة مجرمي حرب، لكن الحكومة الأردنية بذلت جهداً خارقاً لمنع سفر النواب وتقديم الشكوى، فكيف كافأ الكيان الصهيوني دولة الأردن؟ أعلن أنه يفكر بجعلها وطناً للفلسطينيين. تماماً كمكافأة الشيطان من وثق به.
المشكلة ليست هنا فقط، بل بتصريحات السادة المسؤولين في المملكة الأردنية الهاشمية، فقد عقب السيد وزير الخارجية على تصريحات العدو "بأن إقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام مع "إسرائيل" يمثل مصلحة إستراتيجية عليا للأردن". واعتبرت الحكومة الأردنية أن تلك التصريحات تمثل" هذيان إسرائيلي".
فليتصور القارئ الكريم رقة هذا التصريحات إزاء فكرة جعل البلاد وطناً بديلاً، والحكومة تعلم أن الفكرة الصهيونية هذه ما طرحت إلا في سبيل أن تصبح واقعاً، وإن لم يستعد الأردن خير الاستعداد لعدوه فإنه سيأكل كما أكل غيره، ولن ينفع المملكة المجتمع الدولي ولا مجلس الأمن.
إن على الأردن العربي الهاشمي أن يستعد للحرب ويجهز نفسه للمقاومة، ولا بد للحكومة الأردنية أن تلغي معاهدة السلام مع العدو الغاشم الذي اغتصب فلسطين والذي يخطط دون كلل أو ملل لاغتصاب الأردن وما قبلها و بعدها وحولها.
إن أمام الأردن فرصة تاريخية لا مثيل لها بالانسحاب من معاهدات العار، وإعادة الوجه العربي الأصيل للملكة الهاشمية.
الحكومة الأردنية مطالبة اليوم، برفع شعار فلسطين عربية من النهر إلى البحر، فغزة كحيفا والضفة كالجليل والمثلث.
ولا بد للعرب أن يتوقفوا عن التشكك في قدراتهم وفي شعوبهم، وعلى الأردن أن يكون في صف سورية وأن تكون هذه في صف مصر وتلك في صف اليمن، وأن يكون كل هؤلاء في صف واحد معاد لوجود الكيان الصهيوني من أصله.
إن المعركة مع العدو، وتعلم الحكومات العربية ذلك علم اليقين، هي معركة وجود، ولن تنتهي إلا أن يقضي أحد الطرفين على الآخر، فكيف تقبل دول عربية عديدة أن تقيم علاقات مع عدو يريد أن يفترسها ويسلب أرضها ويقتل شعبها.
لم تخسر الأردن أوراقها بعد، ففيها رجال يحبون الموت في سبيل الله، ويتشبثون بكل ذرة تراب عربي في فلسطين أو غيرها، وما بقي أمام المملكة إلا حمل السلاح والتدرب والاستعداد للقتال، إذ أن فكرة الوطن البديل ما طهرت للعلن، إلا لأن أوان تنفيذها قد اقترب، وما حرب غزة إلا بداية لتنفيذ تلك الفكرة، ولهذا لا بد من الإسراع في التصدي للعدو، وإن تحرير فلسطين، كل فلسطين، هو الضامن الوحيد لحماية الأردن واستقلالها وكينونتها، بل هو الضمان الوحيد لحماية الدول العربية كلها.
ولتعد عمان إلى صف المقاومة ولتعلن قطع علاقاتها مع العدو، هذه هي طريق النجاة، وليس الثقة بالعدو وبالمجتمع الدولي الذي صنع هذا العدو، هذا المجتمع الذي لا يعرف عدواً إلا العرب والمسلمين. أذكر الحكومة الأردنية بقوله تعالى" قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين".

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية