هل يهتم الإعلام المحلي بنبض الشارع الغزي وحل مشاكل المواطنين ورفع المعاناة عنهم أم أنه يكتفي فقط بإدارة نبض الشارع وهموم المواطنين، دون التعاطي معها بأمانة وجدية، والنظر إليها على أنها مجرد عامل إزعاج ومادة تحريضية يسعى الأعداء لتوظيفها ضد حركة حماس والحكومة التي تقودها؟!
لا شك أن العدو الصهيوني والأمريكي وعملاءهما يحرصون بشدة على تسييس معاناة غزة واستغلال نبض الشارع الغزي وتحريض الرأي العام المحلي ضد حركة حماس وحكومتها الشرعية، لضرب مشروع المقاومة الذي تتبناه الحركة وإسقاط حكومتها ودفعها إلى الاستسلام للعدو الصهيوني، عبر إجبارها على الالتزام بشروطه الجائرة من أجل رفع الحصار وتخفيف المعاناة عن المواطنين، ولكن هذا لا يبرر تجاهل الإعلام المحلي لهموم المواطنين والتقليل من أهمية انتقاداتهم، التي تكون أحياناً حادة وقاسية، لممارسات الحكومة وسياساتها!!
المطلوب من الكاتب السياسي الذي تهمه مصلحة الشعب عدم تجاهل نبض الشارع وهموم المواطنين ومعاناتهم، وليس مطلوباً منه تهدئة الشارع وإطفاء نار الغضب الشعبي التي تشعلها أخطاء وممارسات حكومية وحزبية لا يمكن إغفالها، لأنه إن فعل ذلك سيكون فئوياً منافقاً، أو متملقاً، أو مأجوراً، وإنما على الكاتب أن يتناول هموم المواطنين ومعاناتهم بإخلاص وأمانة، دون توظيف لهذه المعاناة سياسياً ضد الحكومة، وعليه في الوقت ذاته أن ينأى بنفسه عن توظيف العاطفة الدينية لدى المواطنين وحبهم للمقاومة من أجل إسكاتهم.
ويلجأ الغيورون على مصلحة الوطن والمواطنين والأمة إلى النقد السياسي لممارسة النصح، الذي قال فيه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، لأن النقد السياسي هو أداة من أدوات الارتقاء بسياسات الحكومة وممارساتها وبوعي المواطنين، للوصول إلى مجتمع أكثر انسجاماً واستقراراً، سياسياً وأمنيا. والنقد السياسي في المجتمعات المتحضرة وسيلة ناجعة لحماية المواطنين والدفاع عن حقوقهم ورفع المعاناة عنهم، ولتحليل المشاكل والقضايا السياسية وطرح حلول لها، بهدف تحقيق التفاهم والانسجام بين فئات الشعب وتعزيز صمود المواطنين. والنقد السياسي أداة مهمة لتوعية المواطنين وحشد رأيهم لما فيه خيرهم وخير الوطن والأمة، في الدنيا والآخرة، فالنقد السياسي يهدف إلى تنوير المواطنين بحقيقة الأحداث السياسية التي تنعكس على حياتهم ومستقبلهم، عاجلاً وآجلاً، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث يُعد الوعي السياسي الشعبي من أهم العوامل التي تصنع إرادة المواطنين وتعززها في مواجهة محاولة إضعافها وكسرها.
ولا شك أن ممارسة النقد السياسي أمر في غاية الصعوبة في الحالة الفلسطينية، إذ قد يُفهم هذا النقد السياسي على أنه تحريض ضد الحكومة الشرعية التي تتولاها حركة حماس في الوقت الذي يجب عل جميع الأحرار دعمها، لأنها تحتضن المقاومة وترفض الاستسلام وتحول دون تمرير الحلول الاستسلامية للقضية الفلسطينية. وقد يساء استغلال النقد السياسي من جهات خارجة عن الصف الوطني، التي لا يهمها سوى تضليل المواطنين وتحريضهم ضد حركة حماس وحكومتها، لهذا تمارس الصحافة الحكومية نوعاً من الرقابة على المقالات التي تتضمن نقداً سياسياً للحكومة من أجل مصلحة المواطنين، ربما بحسن نية، درءاً للمفاسد، ومنعاً للمناوئين من تضليل الرأي العام المحلي واستغلاله لتحقيق أغراض فئوية.
وسواء أكان نبض الشارع محقاً أم غير ذلك، لا بد من التعامل بصدق وموضوعية مع هموم المواطنين وانتقاداتهم السياسية، لأن الحكومة إنما هي خادمة للمواطنين ومؤتمنة على مصالحهم، ولأن تجاهل نبض الشارع له تداعيات خطيرة على التأييد الشعبي لحركة حماس، ولأن منع النقد السياسي للحكومة وسياساتها وإضفاء قدسية على ممارساتها يفتح الطريق أمام المرجفين لنشر شائعاتهم المغرضة وتحقيق غاياتهم القذرة. إذاً السؤال المهم في هذا السياق هو: كيف يمكن ممارسة النقد السياسي الإيجابي دون إتاحة الفرصة للأعداء إساءة استغلاله؟!، وبمعنى آخر، كيف يمكن المحافظة على الخط الفاصل بين النقد السياسي وبين التحريض ضد الحكومة والحركة التي تقودها؟!
إن الصمت حيال هموم المواطنين يقدح في مصداقية الكاتب السياسي وفي نزاهته وإخلاصه للشعب وقضيته، ويجعله يبدو في أنظار المواطنين على أنه فئوي، أو أنه يعمل في إطار جماعات المصالح الخاصة، أو أنه كاتب مأجور. وعندما تُسخِّر سلطة المال الإعلام في تغييب وعي المواطنين وتضليلهم، يتحول الإعلام إلى معول هدم وأداة إفساد وتضليل، فينشغل الإعلاميون بطمس الحقائق، ويسعون لتوظيف المعاني الدينية لأغراض فئوية وشخصية، ويمارسون رقابة غير مبررة على الأقلام التي تمارس النقد السياسي الإيجابي بذريعة منع التحريض ضد السلطة الحاكمة.
وحتى يحظى الكاتب في المجال السياسي بمصداقية أمام المواطنين، عليه أن لا يتحول إلى بوق يخدم جهة ما أو حكومة ما على حساب الانشغال بهموم المواطنين والدفاع عن حقوقهم وإبراز معاناتهم، وإلا فلا قيمة لكتاباته، وعليه أن لا ينشغل بتحقيق الشهرة أو أي من مصالحه الشخصية التي تزهق أجره وتفضحه في الدنيا والآخرة. لذلك قررت التوقف عن نشر مقالاتي السياسية في إحدى الصحف الحكومية المحلية بعد رفضها نشر مقالة لي أنتقد فيها بعض ممارسات الحكومة. فالقلم أمانة، والكلمة مسئولية. والتحريض على الخير خير، والتحريض ضد الشر خير. وتحري الصدق، والإخلاص في القول، والوعي السياسي، وحسن المواطًنة، وصدق الانتماء، كلها أخلاق وشمائل تضمن المحافظة على الخط الفاصل بين النقد الإيجابي وبين التحريض ضد السلطة الحاكمة.
7/6/2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية