أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أبعدو أيديكم الملوثة بالبترول والفساد عن الشعر والشعراء ... سحبان سواح


بدأت منذ سنوات وعلى القنوات الفضائية الخليجية .. إجراء مسابقات للشعر النبطي وهو الشعر المحلي في دول الخليج والسعودية والمكتوب باللهجة المحلية .. كان آخرها مسابقة شاعر المليون للشعر النبطي السنة الماضية .. كنا نسمع عن هذه البرامج ولانهتم فهو أمر يخص الخليج وأهل الخليج .. ولكن أن تتوجه قناة أبو ظبي إلى العرب ببرنامج أمير الشعراء للشعر الفصيح فهذا أمر مرفوض تماما خصوصا بالطريقة التي نظم بها . وماهو المقصود من مصل هكذا مسابقة حقيقة.
تجيء التسمية هنا " الشعر الفصيح " كمعادل للشعر باللغة المحلية ، وبهذا يصبح لدينا في المنطقة العربية نوعان من الشعر؛ الشعر الفصيح.. وتفسيره بالنسبة للقائمين على المسابقة هو الشعر العامودي الموزون والمقفى ، والذي بذل الشعراء المحدثون منذ بداياتهم جهودا كبيرة للخروج منه ..و للخروج من قيود التفعيلة والقافية إلى رحابة اللغة وموسيقاها دون أي ضغوط على الشاعر .. إذن هكذا وبكل بساطة ، بجرة قلم سهلة .. ألغى القائمون على قناة أبو ظبي تاريخا طويلا من معاناة


شعراء الحداثة .. وتاريخهم وما اضافوه على الشعر العربي .. و الوصول به إلى العالمية. وسوف ينصبون أميرا للشعراء على طريقتهم .. وسيلغون تاريخا طويلا من نضال شعراء الحداثة بدءا من نازك الملائكة مرورا بالسياب وصولا إلى أدونيس ومتابعة بنزيه أبو عفش وسعدي يوسف .. وعدد كبير من الشعراء ليس بالإمكان ذكرهم هنا . وقالوا لهم طز بكم .. فنحن .. ونحن فقط الذين نملك المال والسلطة ويحق لنا أن نقررماهو الشعر.
المذل في الأمر اشتراك واحد من شعراء الحداثة المهمين وهو محمد علاء الدين عبد المولى الذين وقفنا معه وخلفه في الموقع لأنه لو وصل هو إلى هذه التسمية لكان ذلك نصرا لقصيدة الحداثة فعلاء عبد المولى يكتب كل أصناف الشعر كما يفعل غيره من شعراء الحداثة كأدونيس وعبد القادر الحصني وغيرهم كثر.. خرج علاء الدين عبد المولى من الجولة الأخيرة يجر اذيال الخيبة لأن لجنة التحكيم لم تعطه علامة عالية .. وجمهورنا المسكين في سورية أكثرا فقرا من أن يصوت له أو أنه مستعد للتصويت لسوبر ستار .. وليس لأمير الشعراء ..
اعتمد برنامج أمير الشعراء على لجنة تحكيم من مجموعة أكاديميين ، حصل كل منهم على دكتوراه في الأدب في جانب من جوانبه وعملوا طوال حياتهم بعد ذلك بتخريج طلاب الجامعة من مبدعين وغير مبدعين .. وبرأينا لا يجوز لأستاذ جامعي أو مجموعة أساتذة جامعة أو مجموعة من النقاد المحدودي الأفق تقرير من هو أمير الشعراء .. الناقد يعيش على حساب الشاعر لا العكس .. وليس من شاعر انتهت حياته لأن ناقدا قال أن شعره ضعيف .. وكانت مشاركة الفنان السوري غسان مسعود ضمن لجنة التحكيم نشازا .. وهو لم يقم بدوره في تحديد العلامة على الإلقاء بل كان يتدخل حتى في نقد الشعر وكان يبدو مرتبكا حين يتهرب من قول رأيه الصريح لأنه على ما يبدو كان مفروضا عليه عدم أبداء رأي يخرج عن رأي المجموع.
وبينما تعد أبو ظبي لجولة أخرى لشاعر المليون لهذه السنة .. فاجأنا أحد رجال الأعمال السوريين يده ملوثة بالفساد حتى الكتف بمشاركته مع متمول خليجي وصاحب قناة أوطان ببرنامج بعنوان شاعر الشعراء جائزته المالية تخطت جائزة شاعر المليون فقد بلغت مليون دولار أمريكي .. مقر إجراء المسابقة دمشق ودار الأسد للثقافة تحديدا و لم يقل لنا أحد لماذا دمشق؟ وكم دفع البرنامج وممولوه أجرا لدار الأسد للثقافة عن المكان الذي تجري به مسابقة جائزتها الكبرى مليون دولار .. لن أطيل في موضوع الصفقات المالية المشبوهة بين المتمول السوري وقناة أوطان الفضائية .. ولن أدخل في تفاصيل اختيار دمشق رائدة الثقافة العربية ودار الأسد للثقافة تحديدا لمثل هكذا نشاط لم يشارك به أي سوري لأن أحدا من السوريين لا يكتب الشعر النبطي ..
ولكن لابد أن نتساءل هل وزير الثقافة .. رياض نعسان آغا .. والسيدة نجاح العطار المستشارة الثقافية للدكتور بشار الأسد على علم بكل ما يجري وكيف يجري .. وماذا عن شكاوى الشعراء السعوديين والكوتيين من لعبة ما تجري تحت الطاولة لكي يفوز شاعر بعينه من بين كل المشاركين قد يكون تم الاتفاق معه على ربع قيمة المكافأة من ضمن اللعبة .. وكيف تضن الجهة المنظمة ةهي التي ستدفع مليون دولاؤ كجائزة على المتسابقين بمصروف جيب .. وكيف تسمح بأن يدفع أحد المتسابقين ثمن تذكرته من جيبه.
هي بالنهاية إساءة لثلقافة .. ونحن لسنا ضد الشعر النبطي ولسنا ضد الشعر المحكي في بلاد الشام ولسنا ضد شعر العامية في مصر ولكننا ضد أن يتاجر بهذا الشعر بهذه الطريقة الممسوخة فبرنامج شاعر الشعراء من أسوأ البرامج التي قدمت حتى الآن في فئة برامج المسابقات.
نعود إلى موضوعنا الأساس وهو .. ماذا يفعل الشعراء الذين أمضوا حياتهم يكدحون .. ويبحثون عن لقمة العيش وهم يكتبون الشعر .. بينما يرون شاعرا ما .. وبترتيب ما.. صار لقبه فجأة شاعر الشعراء .. وأمير الشعراء .. أليس من أحد يحدد لهؤلاء المتاجرين بكل شيء أنهم من الممكن أن يتاجروا بكل شيء سوى المتاجرة بالثقافة .. فكل شيء تاجروا به هبط إلى الدرك الأسفل .. وليس أدل على هذا من قناة روتانا التي تتاجر بالمطربين كأي سلعة في السوق.
وبعد .. أليس المال يتطلع بخبث إلى شعراء الحداثة ويقول لهم طز بكم فنحن بالمال قادرين أن نصنع الشعراء ودون جهد كالذي بذلتموه .. يا عيب الشوم


(138)    هل أعجبتك المقالة (171)

محمد زايد الألمعي

2007-08-31

هذا الرأي كتبته لإحدى الصحف هنا عند سؤالي عن ذات الموضوع محمد زايد الألمعي(شاعر) بين شعراء يبحثون عن إمارة، أو أمراء يبحث عنهم الشعر ، تشتغل الآلة الإعلامية الخليجيّة للاستحواذ على سوق ضخم من مستهلكي وسائل الإعلام المختلفة في هذا الزمن المختلف ، الذي انفرطت فيه علاقات السلطة التقليدية بسرعة هائلة مسلمة إلى الاقتصاد كافة أدوات إيصال المعرفة وصياغة الوجدان الجمعي.... في ظل هذا السياق يأتي برنامج (أمير الشعراء) مراهنا على بعد تسويقي لفن عربي صاغ تحولاته ، بعيداً عن السوق، في إطار عزلة فرضتها سوق العاميّة الواسعة،وسطوة السلطة الأميّة ، وانهيار النظم التعليمية لحساب ثقافة رثة مضطربة الهويّة ، ثقافة جعلت جيلاً بأكملة يترجم وجدانه عبر وسائل تعبير أكثر قرباً من الناس،فتنازلت عن كل هاجس يبحث عن الجمال والإبداع الذي يرتكز على مبدأ الحريّة والهاجس الإنساني الخلاق والعميق ، وتواطأ على ذلك جهاز ضخم لسوق يمارس تسليع كل شيء ابتداء من القيم الجمالية وانتهاء بالقيم المعرفيّة والفلسفيّة..سوق لايتردد في الدفع إلى واجهة النجوميّة ، بدعاة التخلف وإشاعة الفقر الفكري ، ماداموا يلقون استجابة جماهيريّة تغذي شراهة ملاك السوق.. وإذا كان هذا هو الوضع ، باختصار مخل ، فأين نضع برنامج (أمير الشعراء) وأي سوق يستهدف وجيل بأكمله ينقسم بين نجوم شعراء العاميّة ، ونجوم دعاة التخلف ، وليكن أن نتنازل ونقبل بفكرة شخصنة الفنون العليا ، ومنح الألقاب بهذه الطريقة الفجة..لنقتنع جدلاً بإمكانيّة تنصيب هذا المقام الأبله..فكيف سنتمكن من الفرز،وقبل ذلك كيف ندفع باشتراطات خارج لحظتنا نتبني من خلالها معايير النظام التقليدي للقصيدة ، إنني ومع احترامي لتلك اللجنة الغريبة ، وأسلوب إدارة الإنتاج التي تمارس عملها بأسلوب مسابقات ملكات الجمال ، أظن أن المشكلة تكمن في التنازلات المبدئية القاتله التي قبلها هؤلاء على أنفسهم ، خاصة من ناقد كبير كصلاح فضل...لقد تجاوزت القصيدة العربيّة في منجزها اليوم ، هذا النواح الجماعي عبر القصيدة الخليلية والبلاغة القديمة ، بل إن نماذجها العليا التي ساهمت في تشكيل وجداننا، في النصف الأخير من القرن العشرين.. كالجواهري والبردوني وغيرهما ، تتجاوز بسنوات ضوئية ما يحاول البعض بهجانة وسطحيّة استئنافه في كتابة قصيدة لا تنتمي لزمنها اليوم... إنني أتساءل علام يراهن أصحاب هذه الفكرة...وأي خط سيدشنه هذا البرنامج سوى تكريس المزيد من تزييف الوعي الجمالي وإقصاء منجز القصيدة العربيّة في تحوّلاتها الكبرى والتي نهضت بشعراء حقيقيين ينطلقون من أرضيّة فلسفيّة راسخة،شعراء بنوا عالماً إبداعيّاً يعوض الواقع الرث ويكسبنا القدرة على الحياة والحلم ، شعراء لم يستجيبوا للانهيار الحضاري والفقر الوجداني والمعرفي الذي تسوق له آلة رأس المال الأمي...بين شاعر المليون وأمير الشعراء...(!!) .


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي