أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عندما تفقد إسرائيل عقلها.... مهى عون

 

          بدأت تستشرف الحكومة الاسرائيلية التغير الدراماتيكي في السياسة الأميركية حيال النمط التاريخي الذي ميز العلاقة بينهما، حتى قبل زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن. وظهر ذلك جلياً من خلال النبرة الحادة التي اتصفت بها تصاريح رئيس الوزراء الإسرائيلي قبيل سفره إلى الولايات المتحدة. وفي حال تأكد نتنياهو جيداً خلال  مقابلته للرئيس الأميركي بأن أيام الغنج والدلع قد ولت، ربما لم يدرك بعد مسوغات وأسباب هذا التغير، والتي ليس لها علاقة بإسرائيل بقدر ما لها علاقة بالمصالح الأميركية. وبما أن مصالح الولايات المتحدة تتقدم اليوم على المصلحة الاسرائيلية، لم يبقى أمام الحكومة الاسرائيلية سوى الانصياع والتنسيق.. وهناك مثل شعبي يقول "أحبك يا سواري، ولكن ليس مثل زندي".

 والولايات المتحدة التي دأبت على رعايتها للكيان الإسرائيلي، بدأت تشعر اليوم بثقل وتداعيات الكيل بمكيالين، وبالارتدادات السلبية لهذا النهج على علاقتها مع العالم العربي والإسلامي.

 وذلك على خلفية برنامج الإدارة الأميركية الجديدة والذي قررت  وضع معالجة الأزمة الاقتصادية في أولويات سلم اهتمامات الرئيس، ويقين الرئيس أوباما بأن الانفتاح الإيجابي على العالم الإسلامي، هو كفيل بنشل الاقتصاد الأميركي  عن طريق تحفيز وتشجيع رؤوس الأموال الخليجية، من أجل دعم المصارف الأميركية الشبه خالية من السيولة.
 ناهيك عن اقتناع الإدارة الأميركية الجديدة اليوم بأن الصراع العربي الإسرائيلي قد طالت مدته، وبأن الجنود الأميركيين في العراق وفي أفغانستان عانوا ما عانوه من الاضطهاد والقتل، وبأنه لا بد من البدء من البداية أي في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

وبالتالي عندما أدركت إسرائيل بأن الرئيس الأميركي يسعى جديا باتجاه تحقيق السلام الشامل والعادل، وأدركت مدى إصراره على ذلك، متخطياً كل العوائق والحواجز التي تقيمها جريا على عادتها في وجه تحقيقه، فقدت عقلها واتزانها وراحت تصدر من قبل قادتها تصاريح متناقضة أقل ما يقال فيها بأنها تنم عن ضياع وتشتت، يخرج عن نمط سياساتها التقليدية المرتاحة على وضعها إقليميا وأميركياً. 


 وهو ما دفع نتانياهو إلى إعلاء سقف المواقف الاسرائيلية قبل زيارته إلى واشنطن عن طريق إعلان تصريح غريب ومستهجن  يشكل نسفاً لكل مجريات المفاوضات الغير مباشرة مع سوريا والتي كانت المساعي التركية على وشك إطلاقها من جديد بعد تشكيل الحكومة الاسرائيلية. فأعلن بأنه لا انسحاب إطلاقاً من هضبة الجولان السورية (المحتلة)، كونها تشكل العمق الاستراتيجي الضروري لحماية الداخل الإسرائيلي.  

 وبعد عودته من الولايات المتحدة أطلق نتانياهو موقفه المدوي في إعلانه القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، مع علمه بأن موقف من هذا النوع يعيد المفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلى نقطة الصفر. وكان خلال محادثات واشنطن وعندما حشره أوباما بمسألة الاستيطان، استدرك ذلك عن طريق طرحه الربط بين وقف توسيع الاستيطان وفك البؤر القائمة، بالموضوع الإيراني وبوقف تخصيب اليورانيوم.

 هذا مع العلم أن هذا الربط يجب أن يأتي بشكل معاكس، من ناحية أن إقامة إسرائيل للسلام الشامل والعادل مع جيرانها العرب، سوف يحشر إيران في الزاوية.

وعن طريق عزلها إقليمياً ودوليا سوف تضطر للتنسيق، وقد يتم تخليها تلقائيا عن برنامجها النووي وبرامجها العدائية والتوسعية الإيديولوجية الأخرى.
 وبالرغم من التنافر فالتباعد الحاصل بين نتانياهو وأوباما على غالبية المواضيع العالقة، باتت تدرك إسرائيل اليوم، استحالة لي ذراع الإدارة الأميركية الجديدة، كما أنها تعرف جيداً بأن الصدام والجفاء والقطيعة مع الإدارة الأميركية هي غير واردة، وهي خط أحمر، لا يجب تخطيه، كونه يتعلق بحماية وجود إسرائيل، ودعمها على الصعيدين الشرق أوسطي والعالمي.

خاصة وأن الأوراق التي عمدت إسرائيل على استعمالها لاستمالة المجتمع الدولي، ويأتي في مقدمها تحفيز وتنمية روح العداء تجاه المسلمين بشكل عام، عن طريق تعمد المزج بين الدين الإسلامي والإرهاب، تخلت عنها اليوم الإدارة الأميركية.

ولقد  ظهر ذلك جلياً من قبل الرئيس الأميركي خلال زياراته  الشرق أوسطية الأولى بعد انتخابه، في تأكيده على أهمية ومحورية دور المسلمين في العالم اليوم، وعلى المستوين الثقافي والسلمي. وعبر خطاب الرئيس أوباما في جامعة اسطنبول حيث قال: "إننا نظهر تقديرنا العميق للدين الإسلامي الذي قدم الكثير والكثير جدا على مدى قرون لبناء الحضارة الإنسانية وتشكيلها...." ُيفهم بأن كلامه هذا ليس من باب التقرب أو الكلام المؤقت والذي تقتضيه ظروف الزيارة إلى بلد مسلم عريق، بل هو حقيقي ونابع عن قناعة.

وها هو اليوم  يقوم بترجمته فعلياً على أرض الواقع، عبر تأكيده على أهمية ومحورية الشراكة مع السعودية ومصر، من أجل تفعيل التعاون الايجابي للتوصل إلى الحلول النهائية لأزمات الشرق الأوسط العالقة، ومن ضمنها إيران وباكستان وأفغانستان.
 أما الموقف الإسرائيلي المفاجئ والمتمثل بمشروع القرار الذي تم التصويت عليه في البرلمان الإسرائيلي، والذي يعتبر أن الأردن هو وطناً نهائياً للفلسطينيين ولضرورة تجنسهم فيه...جاء كصدمة غير منتظرة وغير متوقعة، كونه الخرق الاول منذ 15 سنة لمعاهدة السلام الأردنية الاسرائيلية، "ويشكل خرقاً لكل المعاهدات والمواثيق الدولية"، ، كما جاء على لسان النواب الأردنيين بمذكرتهم التي تطالب بإلغاء قانون اتفاقية وادي عربة، الموقعة مع إسرائيل عام 1994 


 كل هذا التخبط الإسرائيلي مصدره المواقف الأميركية الحازمة. ولكن يبقى السؤال وهو إلى متى تظل إسرائيل تقلل من أهمية إقامتها للسلام العادل مع محيطها العربي والإسلامي وتتجاهل ضرورة اعترافها بمبادرة العاهل السعودي للسلام العادل والشامل، وإلى متى لا تقدر حق التقدير اعتراف العالم الإسلامي بكيانيتها ووجودها؟

 ألا تصبح هي بأمان أكثر في محيط غير عدائي مما يشجع عودة اليهود الأوروبيين إليها وغيرهم، وهي التي تشتكي دائماً من التراجع الديمغرافي المضطرد. ألا يشعر اليهودي عندما يقبل بإرجاع الحقوق لأصحابها بأن الحياة في هذا المحيط العربي أصبحت أسهل وأضمن للأجيال المقبلة؟
                                                  

 

كاتبة وباحثة لبنانية
(105)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي