إنه التل شبه الأسطورة، بل هو الأسطورة بعينها إذا ما نظرنا إلى قوة تحصينه وتدشيمه و"نوعية" القوات الموجودة فيه والمدعومة بشتى أنواع الوسائط النارية من برية وجوية، الأمر الذي جعل نحو 50 محاولة لاقتحامه تبوء بالفشل، ورسخ من اعتقاد النظام بأنه تل يستحيل سقوطه مهما هاجمه الثوار ومهما أعدوا له من خطط وتكتيكات.
لأجل كل هذا كان الذي حصل قبل ساعات في "تل الحماميات" بريف حماة، أشبه بالمعجزة، إذ سقط التل بالغ التحصين بيد الثوار، واضطر جيش النظام ومرتزقته للانسحاب منه، رغم حجم المؤازرة والدعم اللذين يحظى بهما جبهتا ريف حماة وإدلب، حيث لم يعد في عموم سوريا جبهتان مشتعلتان إلاهما، ما جعل الروس والنظام وأعوانه يتفرغون لهاتين الجبهتين ويزجون فيها بكل ثقلهم.
فمنذ أن أشعل بشار الأسد نار حربه ضد الشعب السوري، ونشر شبيحته وجيشه في المدن والبلدات، كان هناك قرار حاسم بالتمسك بنقاط "استراتيجية" في عدد من المناطق، وعدم السماح بسقوطها مهما كلف الأمر، ومن هذه النقاط التي وضعت على خريطة "الخطوط الحمر" في حماة، كانت بلدة الحماميات وتلتها (الريف الغربي)، ومن أجل تعزيز هذه النقطة المطلة والمرتبطة بعدة مواقع حربية للنظام في المنطقة، فقد حول النظام تل الحماميات إلى قلعة حصينة، مستخدما تكتيكات تجعل اقتحامها بريا أمرا عصيا و"مكلفا" بشريا، حتى في حال توفر خطة "عبقرية" واستثنائية.
الحل الوحيد الذي كان يسمح بإسقاط تلة الحماميات ودحر النظام منها، كان يمكن أن يمر عبر بوابة "الإنزال الجوي" وهو أمر متعذر نهائيا، في ظل افتقار الثوار لأي وسيلة تحقق ذلك، وهذا ما أعطى النظام عامل "ثقة" إضافي، تراكم مع معاينته لعشرات محاولات الاقتحام المتكررة وهي تتلاشى على جبهة التل العنيد.
ففضلا عن زرع الألغام في مختلف جوانبه، حفر النظام حول التل العالي خندقا يناهز عرضه 30 مترا، ولم يترك سوى منفذ وحيد وإجباري لمرور جنوده (معظمهم من قوات النخبة وبينهم الحرس الجمهوري) وإمداداته العسكرية، ما يعني عمليا أن أي قوات مهاجمة ستخوض ما يشبه معركة انتحارية إذا ما أرادت اقتحام التل من منفذه الوحيد، وستخوض معركة فيها قدر عال من المغامرة إذا ما أرادات اقتحام التل من جهة الخندق، وعلى كلا الحالتين تبدو الأمور معقدة إلى درجة لا يدركها سوى من عاشوا في الميدان وخبروا عمليا ما معنى "تل الحماميات".
ولكن الذي حصل يوم الأربعاء، أن الثوار قرروا وضع حد لأسطورة "تل الحماميات" وأسقطوه عبر معركة استمرت عدة ساعات، واستخدموا فيها تكتيكا "مجنونا"، وبذلوا فيها من العرق والدم ما يعادل "الجائزة" التي تمثلت بطرد النظام من موقع "استعصى" سنوات طوالا، وتسديد ضربة موجعة لمعنويات عساكره، يمكن أن يكون لها أثر ملموس في قادم المعارك.
"تل الحماميات" الذي سقط قبل ساعات، قد يظن المرء أن سقوطه كان وليد معركة الاقتحام الأخيرة، أو يخال أن هناك مبالغة وتهويلا في تقدم الثوار إليه، والحقيقة أن الوقائع تفند كلا الاحتمالين وتجيب على كلا التساؤلين، موضحة أن الثوار كثفوا منذ عدة أيام عملهم على جبهة الحماميات واستطاعوا فرض حصار على قوات الأسد في المنطقة، زعم النظام أنه كسره وأبطل مفعول الخطة الهجومية، فجاء سقوط التل ليكذبه.
أما فيما يخص ما يثار عن "تهويل" بشأن تحرير الثوار لتل الحماميات وكأنه عمل أسطوري، فجوابه متشعب ومتعدد الوجوه، ويكفي أن نعلم مثلا أن الثوار أطلقوا نحو 15 محاولة اقتحام للتل العنيد، فقط خلال الحملة الرو_أسدية الأخيرة (والمستمرة)، وأن عناصر من القوات المهاجمة وضعوا أرواحهم على كفوفهم، عندما قرروا النزول في الخندق الكبير المحيط بالتل، ثم الصعود منه نحو التل مستخدمين سلالم أحضروها معهم.
ويجب أن نعلم أن سقوط "تل الحماميات" جاء في وقت حرج، ونزل أشد من صاعقة حارقة على النظام والروس، وهم الذين لم يدخروا وسيلة اقتحام لاستعادة "تل ملح" الأقل تحصينا وحتى أهمية، وتكبدوا خلال هجماتهم المتكررة على "تل ملح" خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.. فإذا بهم يمنون بكارثة أدهى جعلتهم مصعوقين، يحاولون تبرير خسارتهم "تل الحماميات" بكل ما أوتوا من وسائل التلفيق، في محاولة لدعم معنويات ضباطهم وجنودهم المنهارة على أسوار الريفين الحموي والإدلبي.
وكان مما زعمه النظام وروجت لها وسائل إعلامه أن الهجوم على "تل الحماميات" كان شرسا للغاية، وأتى من 5 محاور، وأن من شاركوا فيه ونفذه هم الشيشانيون والتركستان، في محاولة لتقليل أثر الصدمة على جمهور النظام، وتصوير معركة التل وكأنها بالفعل مؤامرة كونية اشتركت فيها مختلف قوات النخبة من مختلف الجنسيات، فيما كان النظام "المسكين" وحده.
ولأن "الحماميات" كما ذكرنا هي "خط أحمر" عريض على خريطة النظام الحربية، فإنه لم ينتظر سوى ساعات قليلة ليطلق محاولات مستميتة من أجل استرجاعها، ولكن الثوار ما زالوا قادرين على التمسك بالتل وإجهاض هذه المحالاوت، حتى لحظة كتابة تقريرنا.
"تل الحماميات".. ما الذي جعل سقوطه أسطورة، وماذا تعرف عن تكتيك الثوار في اقتحامه

زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية