ينزل القانون اللبناني بالمجرمين المتعاملين مع العدو الإسرائيلي، أقصى العقوبات، وهي الإعدام، كون العمالة ارتكاب يتعلق بجريمة الخيانة العظمى.
واستناداً إلى هذا القانون، وجريا على ما تم تنفيذه بموجبه بحق المتعاملين مع العدو الإسرائيلي، خلال العقود السابقة، من الطبيعي والبديهي أن ينال هؤلاء الأشخاص الذين تم القبض عليهم في الفترة الأخيرة في لبنان، أشد العقوبات حتى يتحولوا إلى مثال يردع كل من تساوره نفسه الانسياب وراء إغراءات مادية تودي به إلى هذا الارتكاب المشين بحق الشعب والوطن.
ولقد طالب أمين عام حزب الله السيد نصر الله بذلك، بمناسبة المؤتمر الافتتاحي لاحتفاليات ذكرى التحرير، معتبراً أن تهمة العمالة قد ثبتت بمجرد اعتراف بعض العملاء بارتكابهم، وإدلاء البعض الآخر بمعلومات ومواد تدينهم. وخلص إلى نتيجة واحدة ألا وهي إعدامهم...هكذا، داعياً لافتتاح هذا القصاص بالعملاء الشيعة.
وليس بالطبع من باب الدفاع عن العملاء، والذين يشكلون أسوأ نموذج للإنسان والمواطن، ولكن لا بد من التنويه والإشارة إلى حقيقة وواقع يقولان بأن الاعتبار شي، والإدانة الفعلية بموجب التحقيقات القضائية والتي تتطلب توافر وثبوت كل عناصر العمالة أمراً آخراً.
لأنه حتى ولو كان هذا الاعتبار مبني على اعترافات تدين العملاء كما ورد في كلام السيد عندما قال:"....أطالب بإنزال عقوبة الإعدام بالعملاء الذين قدموا معلومات أدت إلى ذلك..."، من المعروف أنه قد ترد بعض الحالات حيث يعود المتهم عن اعترافاته، حتى من دون تعرضه لممارسات التعذيب أو أي نوع من أنواع الضغط أو الإرهاب الفكري أو الجسدي في المرحلة السابقة أي في فترة اعترافه.
والمعروف أيضاً بأن المتهم يظل بريئاً حتى تثبت إدانته علميا وقضائياً وبالبراهين، أي بغض النظر عن اعترافه بالجرم أو عدمه.
بمعنى آخر لا يكتفي المحقق عادة باعتراف المتهم من أجل بنيان لائحته الإتهامية، وينتظر حتى تثبت التهمة بالقرائن الحسية والمادية.
كما أنه لا يجب أن يغيب عنا أمر آخر، وهو أنه في فترة الغضب والثورة الشعبية تجاه أحداث بهذه الخطورة، قد يتم توقيف أشخاصاً بشكل عشوائي، فيذهب الصالح بجريرة المذنب، في حال تم إنزال حكم الإعدام وبشكل سريع، ودونما إعطاء الوقت الكافي للتدقيق والفرز في نسب الارتكاب بين الموقوفين.
فعنصر الوقت لا يجب تخطيه وإهماله كونه أحيانا يلعب دوراً مفصلياً في كشف الحقيقة. وقضية الضباط الأربعة ما زالت ماثلة حيث أنهم وبعد تحقيق دام على مدى نيف وثلاث سنوات تم إطلاق سراحهم بسبب عدم توفر الأدلة.. لذا عندما يقول السيد: "هذه المزحة، أي السجن شهر أو شهرين وسنة وسنتين "بلاها"، هذا لا يحمي بلداً، ولا أمناً قومياً"، لا بد من التساؤل حيال فرضية ازدياد حصول أخطاء قضائية في حال تنفيذ حكم الإعدام وبالسرعة القصوى.
مع العلم أن الأخطاء القضائية قد تصيب الأحكام الصادرة في أعرق البلدان وأكثرها التزاما وتشددا وإتباعا للأصول القضائية،في ظل ظروف عادية، كيف إذاً لو كان مطلوب من القاضي إصدار الحكم متخطياً مجريات التحقيق القانونية العادية .
وإذا كان في الأحكام العادية من الممكن تصحيح الخطأ بإطلاق سراح المشتبه به، لعدم توفر الأدلة، فأي تصحيح يصار إليه في حال حكم الإعدام، عندما ينفذ أسوة بالأحكام المبرمة الصادرة عن المحاكم الميدانية،في ساحة المعركة؟
أما فيما خص حكم الإعدام بحد ذاته فهو قصاص لطالما أثار جدلاً ومنذ أقدم العصور وانقسمت البلدان حول أهمية وضرورة تطبيقه واعتماده وما زالت.
والجدير بالذكر أن العديد من الجمعيات الحقوقية العالمية، والمؤسسات التي تعني بحقوق الإنسان وعلى رأسها الجمعية العامة للأمم المتحدة، أوصت بإعادة النظر بهذا القانون.
وفي السياق نفسه صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 ديسمبر(كانون الأول) 2007، قرار يحمل الرقم 62/149، غير ملزم، يأتي تتويجاً لحملة عدد من الدول المتحضرة، ولجهود مجتمعات متنورة طرحت على بساط البحث عدداً من الأسئلة نورد في ما يلي أهمها:
- هل حكم الإعدام هو عادل مئة في المئة؟ والتساؤل مشروع لأن القاضي يبقى إنسانا ولا تكتمل فيه صفات العدالة الإلهية التامة المنزهة عن كل الأخطاء. وإذا كان الله هو القادر الأوحد على وضع حد للحياة البشرية، ألا يعتبر اتخاذ هذا القرار بالنيابة عنه ، أياً كانت الأسباب والموجبات الاجتماعية، تعدياً على أحاديته وتجاوزا لفرادته وكفراً بقدرته؟ ولو أن الله عز وجل أراد أن ًُينزل الانسان عقاب القتل بإنسان آخر جزاءاً له على أفعاله، لكان قال له "اقتل القاتل" بدل أن يوصيه بانتظار عقاب يقرره الله قائلاً:"بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين " كما جاء في القرآن الكريم.
- هل حكم الإعدام هو مجد اجتماعيا ويعمل على إخافة الناس وثنيهم عن الارتكاب؟ والجواب أن المقارنة التي أجريت بين الإحصاءات العديدة والشاملة لكافة البلدان حيث ما زال يعتمد هذا الحكم ، وبين الأخرى التي تجاوزته، تفيد بأن نسبة الإجرام لم تتقلص أو تتراجع في البلدان التي ما زالت تتمسك بحكم الإعدام.
- هل يشكل الإعدام فعلا عقاباً للمرتكب، أم يطال محيطه وعائلته؟
إن المرتكب يعاني عذاب الفترة السابقة لتنفيذ الحكم وهو يظل قصير المدة نسبة للقصاص الذي يقع على عائلته التي تصنف "بعائلة الذي أعدم" وهي بريئة.
وينفذ بها حكم نبذها من المجتمع لمدى الحياة مرة ثانية بعد أن تكون نبذت مرة أولى بموجب صفة "عائلة العميل".
هذا مع العلم أن تعريض الناس دائماً لفكرة القتل، وإن كان جزاً، يقوى روح العنف والتعطش للانتقام الدموي، ويبقي الناس في أجواء الحروب الأهلية إلى ألأبد.
إن الذهاب باتجاه إلغاء حكم الإعدام هو ذهاب باتجاه سير تطور البشرية وليس العكس. وبالمناسبة لما لا يكون لبنان، وبيروت أم الشرائع، ضمن مجموعة البلدان الرائدة في هذا المجال، جرياً على تاريخه المجيد في التنوير والإشعاع الفكري والإنساني في محيطه الشرق أوسطي؟
في العمالة والعقاب عليها... مهى عون
كاتبة وباحثة سياسية لبنانية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية