أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نحو إستراتيجية شعبية إسلامية لنصرة فلسطين ... أ.د. محمد اسحق الريفي

الدعوات التي أطلقها نخبة من المشاركين في مؤتمر "نصرة الشعب الفلسطيني" في تركيا، والتي أكدت ضرورة توحيد الجهود العالمية المؤيدة للقضية الفلسطينية واتخاذ خطوات عملية لتحقيق نصرة دائمة لفلسطين، أثارت تساؤلات كثيرة حول مدى تحقق "مركزية القضية الفلسطينية" وسبب غياب إستراتيجية شعبية إسلامية لنصرة فلسطين.

قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كانت القضية الفلسطينية مهمشة دولياَ وعربياً، ولم تنل ما تستحقه من اهتمام القوى الشعبية العربية والإسلامية اهتماماً يتناسب مع خطورتها وأهميتها، إذ مرت القضية الفلسطينية بركود دام عقوداً عديدة، وكانت "مركزية القضية الفلسطينية" موضع خلاف بين الحركات الإسلامية، بينما استغل الصهاينة واليهود المحتلون لفلسطين هذا الركود والخلاف لاستكمال بناء مؤسسات كيانهم العنصري العدواني وتعزيز علاقاته الدولية وبناء جيش من العملاء وإقامة المستوطنات اليهودية وتغييب الهوية الفلسطينية.

وقد أعادت انتفاضة المساجد القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام، عربياً وعالمياً، فحظيت بدعم القوى والأحزاب العربية والإسلامية، وأخذ هذا الدعم أشكالاً عديدة تراوحت بين الدعم المعنوي وبين التنسيق مع حركتي حماس والجهاد وحشد الدعم العربي والإسلامي للمقاومة الإسلامية، ولكن بقي هذا الدعم محدوداً ولم يرتق إلى المستوى المطلوب الذين يتناسب مع شراسة العدو الصهيوني والدعم الغربي الصليبي الذي يحظى به.

ولا شك أن تعاطي الحركات الإسلامية مع القضية الفلسطينية يعتمد أساساً على مكانة القضية الفلسطينية عند العرب والمسلمين وعلى مدى مركزيتها وأهميتها، وذلك في سياق ما تواجهه الأمة من تحديات حضارية وما تتعرض له من حرب صليبية غير معلنة. ولكن ما مدى تحقق مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب والمسلمين؟، وكيف يؤثر ذلك على التعاطي الشعبي مع القضية الفلسطينية؟، وهل نتج عن إيمان العرب والمسلمين بمركزية القضية الفلسطينية إستراتيجية شعبية لمواجهة العدو الصهيوني ومخططاته المدعومة من الغرب ومن بعض الأنظمة الرسمية العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

أعتقد أن مركزية القضية الفلسطينية ستبقى مجرد حلم بعيد المنال ما لم تتحرك القوى السياسية الشعبية لنصرة فلسطين حركة واعية وذكية وحكيمة، وإلا فسيظل هذا المفهوم مجرد شعار نظري، طالما أُسيء استغلاله. فحتى تتحقق للقضية الفلسطينية مركزيتها، لا بد من وجود إطار عمل يجمع كل الحركات والأحزاب والقوى السياسية الإسلامية والعربية على نصرة فلسطين، وينسق جهودها ومواقفها وبرامجها من أجل تحقيق هذه النصرة، وذلك ضمن إستراتيجية شعبية إسلامية ورؤية واضحة. وهنا لا أتحدث عن توحيد الحركات والأحزاب والقوى السياسية الفاعلة، فهذا أمر غير واقعي وغير منطقي وغير ضروري، وإنما أتحدث عن وجود مستوى عالٍ من التنسيق بينها يؤدي إلى وضع إستراتيجية شعبية إسلامية واضحة المعالم والأهداف والبرامج، بحيث تتضمن هذه الإستراتيجية سياسيات وخططاً وبرامج وآليات للمتابعة، وذلك من أجل إسقاط المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين وإنقاذ أمتنا العربية والإسلامية من الأطماع الصليبية.

وحتى يكتمل المعنى، لا بد أن تصبح للقضية الفلسطينية أولوية عظمى لدى القوى السياسية العربية والإسلامية الفاعلة، ولا سيما في هذا الوقت الذي تتعرض فيه القضية الفلسطينية إلى الذبح على أيدي الصهاينة والصليبيين، في جحيم تخاذل وتواطؤ عربيين، وفي ظل عجز شعبي مَهين، حيث وصل الصراع إلى قضايا مفصلية كقضية القدس، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وقضية تهجير الفلسطينيين من الداخل الفلسطيني المحتل منذ 1948.

ويقتضي ذلك أن تدعم القوى السياسية الشعبية العربية والإسلامية المقاومة الإسلامية في فلسطين، خاصة حركة حماس، التي تنشط على الجبهات السياسية والعسكرية والثقافية، بكافة السبل وفي كل المجالات وبحجم يتناسب مع هول المؤامرات وشراسة العدو الصهيوني وإجرامه وأطماعه. ومن لا يقدم الدعم للمقاومة الإسلامية في فلسطين في هذه الحرب الشرسة بين الحق والباطل في فلسطين فقد حكم على نفسه بالقعود عن الجهاد، وأي حركة إسلامية أو قومية عربية يجب أن تساهم بفعالية في دعم المقاومة الإسلامية الفلسطينية.

لقد اجتمع العلماء والمثقفون العرب والمسلمون قبل عدة سنوات في مؤتمر لتفعيل المقاومة السلمية الشاملة، واتخذ المؤتمرون عدداً من القرارات المهمة، ولكن بقيت هذه القرارات حبراً على ورق، وذلك بسبب غياب إستراتيجية للتفاعل الشعبي مع القضية الفلسطينية، فمتى نخرج من هذا النطاق الضيق لنصرة فلسطيني ونرتقي إلى مستوى يتناسب مع المرحلة الخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية؟!

24/5/2009

(98)    هل أعجبتك المقالة (92)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي