"ماما الجنة ما تفتح قبل العيد.. أريد اشتري بنطلون وقميص" كلمات هذا الرد الصاعق ترجمت ما يجول في خاطر الطفل "عدنان"، وهو يقف أمام بسطة بائع الألبسة في سوق "الحدادية" الشعبي جنوب الحسكة، على محاولات والدته إقناعه بأنها لا تستطيع أخذ ذلك القميص الأحمر الذي لفت انتباهه بين كومة الثياب الجديدة.
هذه الجملة نزلت على الأم كالصاعقة، فانكبت عليه تحتضنه وهي باكية، ليشعر "عدنان" (8 أعوام) للمرة الأولى بأن أمه ضعيفة ولا تقوى على شراء ما يريد وأشفق عليها... لحظات تزاحم الناس في السوق المكتظ بالمتسوقين وباعة اللباس والحلويات وسكاكر الضيافة على مشارف العيد والأسعار بالمئات والآلاف...وكلما وضع الطفل عينه على شيء كانت تقول الأم: "بعدين يا ابني تاخذ أحسن منه بالجنة".
ومع اقتراب اليوم من النهاية، واجه الطفل بكل براءة حجج أمه الفقيرة للتهرب من شراء ثياب العيد الجديدة لضيق ذات اليد، مثله كمثل آلاف الأطفال، الذين يعدهم الآباء الفقراء بما هو أفضل في الجنة...وتسمر أمام القميص وقاوم يد والدته النحيلة وهي تحاول اقتلاعه من أمام البائع، الذي حاول تخفيف الحرج عنها فطلب من الطفل اختيار ما يشاء من لباس دون مقابل، لكن دموع أضعفت رغبة الطفل وأخذ يردد "بكرى نروح على بابا في الجنة يجيبلنا كلشي".
رفضت الأم عرض الرجل، رغم أنه أقسم عليها أن تأخذ ما تريد، ثم أجابته: "لا يا أخي الحمد لله وضعنا زين وميسور بس الأطفال يتكلمون من عندهم ويريدون كل شيء"، رغم أن علامات الفقر والبؤس ماثلة للعيان على محياها وفي لباسها.
مضت السيدة مع الآف الحسرات وقلبها يحترق على "عدنان" وإخوته الثلاثة "محمد وصالح ومريم"، لم تكن قد جاءت إلى السوق لشراء ملابس العيد كباقي الأمهات لهم، لكنها تنتظر انتهاء عمل التجار في سوق الحبوب لتجمع القمح والشعير المتساقط من السيارات على الأرض لتغربله وتستفيد منه في صناعة الخبز وقد تبيع بعضه لشراء بعض ما تحتاج.
يحاول أهل الخير، مساعدة الأم المسكينة، التي تعمل وتكدح منذ سنوات لإعالة أطفالها الأربعة عقب وفاة زوجها، لكنها تؤكد لهم أنها "بخير" وقلبها يكاد ينفطر على حال أطفالها، الذين يطالبون بما يحصل عليه أقرانهم، لكنها تجيبهم: "ستحصلون على كل ما تريدون بالجنة إن شاء الله".
حتى هذه الجملة، تحولت اليوم لحجة عليها بلسان طفلها، الذي شعر بصعوبة الموقف رغم صغر سنه، ليمشي صامتا إلى جوار والدته وهي تشتري ما تحتاج من الخضار لإعداد طعام الفطور الرمضاني قبيل بدء الباعة في رفع بضائعهم من السوق ليعودوا إلى منازلهم نهاية يوم الصوم الطويل.
وأمست أسواق الألبسة البالية وأسواق شعبية تحمل أسماء الأيام بأسعار تتراوح بين 8-15 ألف ليرة سورية للباس وبين 600 و3000 آلاف لسكاكر ضيافة وأيام العيد، وهي أهم ما يشتريه الناس شرق سوريا لتقديمه لمجموعات الأطفال وهم يطوفون على أبواب المنازل أو للمهنئين.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية