أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل يشكل نجاح عملية السلام مدخلاً الى تحقيق الديموقراطية؟ .. مهى عون

قبيل غزوها للعراق أعلنت إدارة بوش والتي كانت مشكّلة في غالبيتها من المحافظين الجدد، بأن هدف الحرب هو تحقيق الديموقراطية للشعب العراقي عن طريق تحريره من طغيان الديكتاتورية المتمثلة بنظام صدام حسين. وكان أول من خُدع بهذا الشعار الكاذب الشعب الأميركي، وكان هو أيضاً أول من أدان هذا الكذب والرياء، حين أسقط الحزب الجمهوري الذي كان يمثله بوش في الانتخابات الرئاسية. والسؤال اليوم هو هل تنجح إدارة أوباما، في المساهمة بشكل غير مباشر في التحول والتغيير على مستوى الأنظمة العربية باتجاه الديموقراطية، عن طريق إرساء السلام؟

 

وهل تنجح استراتيجية مد اليد، والحوار والانفتاح في تحقيق الديموقراطية، حيث فشل نهج العنف والظلامية والقوة والبطش والقتل؟
في الحقيقة إن العلاقة بين تحقيق السلام وإرساء الديموقراطية هي علاقة تراتبية من ناحية أنه لا يمكن تحقيق الثانية قبل الأولى. والمعادلة التي بإمكانها أن تؤدي إلى تغيير ديموقراطي في بلدان الشرق الأوسط، هي جداً طبيعية وتتناغم مع تحقيق السلام العادل والشامل.

فلا ديموقراطية يمكن الكلام عنها، أو بإمكانها أن تستتب على أرضية يشوبها انتقاص في الحقوق الأساسية أي في الحقوق القومية الأولية. وفي سياق هذا المنطق قد يشكل استرداد الحقوق المسلوبة على يد الخارج، مدخلاً ضرورياً، للمطالبة بحقوق أخرى منتقصة في الداخل، على يد السلطة القائمة.

وبترجمة لهذه المعادلة على أرض الواقع، يمكن القول بأن تحقيق السلام العادل على مستوى النزاع العربي الإسرائيلي، قد يشكل أول الغيث للشعوب العربية، التي تعاني منذ عقود من تسلط حكم وظلامية أنظمة دأبت على تأبيد وجودها واستمرارها بغطاء القضية الفلسطينية، وعلى إسكات الأصوات وكم الأفواه بحجة أولوية صوت المعركة، وضرورة شد أواصر الممانعة والتكاتف، قبل لقمة الخبز، بحجة مواجهة المخططات الخارجية العدوانية.
لذا قد يندرج توجس بعض الأنظمة من مجرد الحديث عن تحقيق السلام في سياق المحافظة على الذات ومن منطلق إبقاء الشعب في حال من الشلل والعجز. وهذا الكلام ليس من منطلق الترويج أو الهرولة باتجاه إبرام معاهدة سلام أياً يكن شكلها، ولكنه كلام من أجل الدعوة للتكاتف والتضامن على مستوى الشعوب العربية كافة، من أجل المضي في الطريق الصواب المؤدي لتحقيق الديموقراطية المنشودة.
وليس أي سلام! بل سلام يتحقق على الطريق الصحيح، أي بموجب تطبيق القرارات الدولية، وفي اعتماد مقررات مؤتمر أنابوليس، وضمن الشروط المحقة الواردة في مبادرة العاهل السعودي للسلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط. فإما أن تكون النوايا صادقة، والمساعي متكاملة من قبل كافة الفرقاء المعنيين، الإقليميين والدوليين أو تفشل المساعي، وعندها تتحمل مسؤولية النتائج المعنوية والمادية السلبية لهذا الفشل الطرف أو الأطراف التي وضعت العصي في الدواليب، وعملت على عرقلة مجرى تحقيق السلام العادل. هذا مع العلم أن كل فشل في مساعي السلام، يمهد للعودة إلى حالة التوتر، وإلى أجواء قد تكون أخطر وأسوأ.


ومما تجدر الإشارة اليه هو أن هذه الفرصة قد لا تتكرر، كون هذه الإدارة الأميركية الحالية هي الدافعة باتجاه تحقيق السلام. وعلى ما يبدو إدارة أوباما جادة وعازمة على تحقيق السلام في المنطقة، حتى ولو كلفها ذلك إرغام الإسرائيليين والفلسطينيين، وهما الطرفان المعنيان أولاً بعملية السلام، للتوصل إلى اتفاق سلام.

 وهو موقف سبق وعبر عنه رئيس طاقم موظفي البيت الأبيض، اليهودي الأصل، رام عمانوئيل، في نهاية محادثات أجراها مع رئيس اللوبي اليهودي في واشنطن، ووردت مقتطفات منه في صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية وتشكيل حكومة نتنياهو، حيث قال بأنه "سوف يتم التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس مبدأ الدولتين للشعبين، ولا يهمنا (أي إدارة أوباما) من يكون رئيس الحكومة المقبل في إسرائيل".


وعلى مشارف هذا التغيير الدراماتيكي في التعاطي الأميركي مع الأزمات الشرق أوسطية العالقة، التقط الرئيس السوري أهمية هذه الفرصة المتاحة مستدركاً أن الفرص قد تكون نادرة خصوصاً عندما تكون جدية، وأنه لا بد للشعوب العربية من أن تنعم بالسلام العادل والشامل. وفي السياق ذاته أكد في الآونة الأخيرة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط على ضرورة مشاركة كافة الأطراف العربية من أجل بلورة موقف عربي مشترك، على أن تعلن كل الدول العربية موقفها من عملية السلام، ومن أي ترتيبات أمنية أو سياسية مستقبلية في حال نجاح الحوار الأميركي مع إيران. وقال في هذا الصدد: "بأن الدول العربية على استعداد للتجاوب مع تغير الموقف الإيراني".


ويمكننا أن نضيف وبالإذن من الوزير المصري بأن الشعوب هي أيضاً كما القادة معنية بعملية السلام، وكما كانت معنية بالاستنفار أيام الحروب، هي اليوم معنية بنوعية وطبيعة المحادثات الجارية، ولا بد من الوقوف على رأيها في مجريات هذه العملية وتفاصيلها. والمطلوب من القائمين على المفاوضات الجارية اعتماد الشفافية في هذه المساعي، التي سوف تقرر في حال نجاحها مصير المنطقة، كونها سوف تشكل منعطفاً تاريخياً في مصير الشعوب العربية أينما وجدت، ومدخلاً طبيعياً لتحقيق الديموقراطية المنشودة في مراحل لاحقة.

كاتبة لبنانية *
(100)    هل أعجبتك المقالة (92)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي