أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

اسمعوا وعوا.. بشار يفتي في "التواصل" عزيزهم المواطن غير الفاهم

بشار الأسد - أرشيف

بلاد غارقة في الدماء والخراب، عائمة على محيط من الأحقاد والأحقاد المضادة، متهاوية في أدنى دركات الفساد، متربعة على أعلى قمم القمع، متجذرة في أعمق أعماق الإذلال، منبتة من أرض الكرامة الإنسانية حتى في أدنى حدودها، شعبها "المتبقي" مجتمع على المآسي، متفرق في أصقاع الكوكب.. كل هذا لا يهم، ولا قيمة له ولا وزن، فالمشكلة الجوهرية هي "التواصل" وسبب كل "علة" هي في ضعفه.


لايمكن لمجنون حتى قبل أن تتحول سوريا إلى أرض الخراب الأعظم.. لايمكن أن يغامر بوضع اللوم على "التواصل" مهما شطح في جنونه، ولكن بشار الأسد لا يأبه لهذا إطلاقا، إلى درجة أنه وبعد عقود من كوارث أبيه "الصغرى" وسنوات من كوارثه الكبرى، لديه من "الجرأة" و"القدرة" على أن يحاضر بقيمة "التواصل" وأن يرمي على هذا "التواصل" كل ما حصل.. كل ما حصل حرفيا.


فخلال ترؤسه لجلسة "الحكومة" لم يكن بند إعادة الإعمار على رأس القائمة، ولا حتى إعادة المهجرين الذين يزعم المطالبة بعودتهم ليل نهار، ولم يكن حتى ملف قتلى جيشه وجرحاه ومعاقيه، بل لم تكن أسطوانة الغاز ولا مادة البنزين، إنما كان البند الرئيس الذي لم يعل عليه بند هو تقديم وصفة لـ"تعزيز التواصل" بين النظام و"المواطن".


وإذا كان هناك ظن بتجن أو مبالغة، فإن باستطاعة القارئ مراجعة وسائل إعلام النظام التي طبلت بحصولها على "تسريب" خطير لما ركز عليه بشار في اجتماع "الحكومة"، حيث تؤكد هذه الوسائل أن البند الرئيس للاجتماع كان "وضع آلية واستراتيجية محددة لكيفية تعزيز التواصل مع المواطن"، لا بل إن بشار باغت وزراءه بإدراج بند "التواصل" على رأس بنود الاجتماع (كان غير مدرج!).


ويبدو أن "التواصل" سيصبح التعويذة الجديدة التي ستتبناها حكومة النظام وستصدر بها كل خطاباتها القادمة، حيث كرر بشار هذه المفردة، مشددا على أن "ضعف التواصل الحكومي مع الناس كان سببا رئسياً في تضخم العديد من الأزمات... ما جعل المواطن غير فاهم لسياسات الدولة، وبالتالي غير قادر على التعامل معها أو الدفاع عنها في مراحل لاحقة".


وحسب ما "تسرب" عن بشار فقد استفاض الرجل في السفسطة كعادته، قائلا إن عدم "فهم المواطن لحكومته" ناجم عن "عدم معرفة اللغة التي يجب مخاطبة الناس بها، والأهم عدم تزويدهم بالمعلومات الضرورية والأساسية المتعلقة بالأزمات التيواجهونها".


وعليه فإن أهم عمل للحكومة في نظر بشار هو "معرفة كيفية مخاطبة الناس وبالتالي التأثير في طريقة رؤية الشارع واستقباله لما يصدر عن الحكومة من جهة، وما يمكن أن يكون على شكل شائعات أو مغالطات لا تمت للحقيقة بصلة من جهة أخرى".


وعلى مبدأ من قال "والله ياعمي مافي منهجية في تسيير الخطط بما يتناسب مع المعايير الموضوعة لأنو هالمعايير لما بدها تستجل استعاداتها بما عليه من انقسام لازم تجري بكل سلاسة و مرونة يعني في شي اسمو تنظيم ما وراء الواقع وفي شي ضمن الأطر الحيثية والاجتماعية".. على هذا المبدأ مضى بشار مخاطبا أركان حكومته معتبرا أن "الأسباب التي أدت إلى إيصال الأمور إلى ما آلت إليه بين الحكومة والناس، تبدأ أولاً بعدم وجود عمل جماعي، أو رؤيا جماعية حول كيفية مواجهة أية أزمة كمؤسسة واحدة وليس كمؤسسات متفرقة، وثانياً حالة الارتجال بالتعامل مع الإعلام والذي حوّل الإعلام إلى إعلام الحكومة بدل أن يكون إعلاماً للمواطن، الأمر الذي تكرس من خلال ظهور بعض المسؤولين على شكل تدشين هنا و جولة تفقدية هناك.. في الوقت الذي كان ينتظر المواطن مسؤوله على الشاشة مجيباً عن أسئلته ومدافعاً عن قرارات مؤسسته، شارحا لاستراتيجيات الدولة في موضوع ما، جاهزا لخلق حوار مع المواطن بدل أن يكون ظهوره لمجرد الظهور"... فهمت "عزيزهم المواطن"؟!


يبدو أنك لا تزال "غير فاهم" حسب تعبير بشار، ولذلك فهو لن يبخل عليك بالمزيد من الشرح، فهذه هي مهمته ومهنته منذ اعتلى الكرسي.. "تفهيم" من لايفهم، فقد شدد أمام وزرائه أن تجاوز ما حصل بين الحكومة والمواطن "يتم وفق أسس محددة تضعها الحكومة، قد يكون أهمها أن تعمل الحكومة ككتلة واحدة، وأن يكون لدينا إعلام تفاعلي يعرض وجهة نظر المواطن لكي يشعر أن الإعلام الرسمي هو إعلامه، ويعرض في الوقت ذاته حوارات مع الحكومة حين الحاجة لشرح ما يجري، إضافة إلى ضرورة بناء مصداقية مستمرة مع المواطن مبنية على عقلنة التصريحات ما يؤدي إلى عقلنة ردود الفعل، واعتماد الاستباقية في الحدث، أي أن يخرج الفريق الحكومي للحديث عن المشاكل التي تواجهه ويمكن أن تؤثر على معيشة المواطن دون أن ينتظر حتى تتطور المشكلة وتتفاقم، لكي لا يُترك الناس فريسة للأكاذيب والشائعات"... فهمت "عزيزهم المواطن"؟!

زمان الوصل
(120)    هل أعجبتك المقالة (136)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي