* دكتوراه في الإعلام - فرنسا
لا أريد لأحد أو لجهة أن يظن أننا نوافق إيران على سياساتها في العراق، من إذكاء للفتنة الطائفية، ومحاولات لاقتطاع أراض عراقية. ولا يعتقد أحد أننا نقبل أن تحتل أي دولة كانت ومهما كانت أرضاً عربية، بمعنى أننا لا نقبل احتلال إيران للجزر الإماراتية، أو لأرض الأهواز العربية، تماماً كما لا نقبل احتلال إثيوبيا للصومال، أو احتلال الصهاينة لفلسطين، فكل احتلال بغيض ومرفوض أياً كانت الجهة التي تنفذه.
ولكننا في الوقت نفسه نبدي استغرابنا لتصريحات أبو الغيط التي جاءت" وبمحض الصدفة" موافقة لتصريحات نتنياهو، فالرجلان كلاهما يعتبران أن إيران هي العدو الرئيس للعرب ، وأن الصهاينة والعرب في صف واحد بينما تتموقع إيران في صف آخر يمثل الخطر على الأمة العربية.
وإن كان ذلك متوقعاً من الإرهابي نتنياهو كونه شعر بالفضيحة بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الإيراني في مؤتمر مناهضة العنصرية في سويسرا والتي شن فيها هجوماً عنيفاً على الصهاينة واتهم الكيان الغاصب، وقد أحسن في ذلك، بأنه كيان عنصري يقوم على القتل والسلب، وما رافق المؤتمر من تعرية للحكومات الغربية التي لا تفتأ تقف مع الصهاينة بل وتأتمر بأمرهم.
ويفهم موقف نتنياهو أيضاً بسبب المشروع النووي الإيراني الذي نكن له كل الاحترام ونتمنى أن يستمر ويتطور ليس في إيران وحدها بل في الدول العربية والإسلامية كافة، فمن حق كل دولة أن تمتلك التكنولوجيا النووية للأغراض العسكرية كما السلمية وليس هناك شريعة في العالم تسمح بهذه التكنولوجيا لأمريكا والغرب والصهاينة فقط دون العرب والمسلمين.
ولنتنياهو أن يغضب من إيران، وقد طالب رئيسها مرات عديدة بتفكيك الكيان الإجرامي والعودة بالصهاينة إلى البلاد التي جاءوا منها.
خلاصة القول، أنني أتفهم موقف نتنياهو من إيران والحكومة الإيرانية، ولكن كيف لي أن أتفهم موقف السيد وزير الخارجية المصري أبو الغيط من طهران، إذ رأى الرجل أن إيران تشكل خطرا على السلام والاستقرار في المنطقة العربية. ليس فحسب بل قد رأى تلك الرؤيا أمام المسئولين الأمريكيين، فهل يعني هذا أن أبو الغيط يعتقد أن أمريكا هي عروة السلام والاستقرار في المنطقة وأن عليه أن يتمسك بتلك العروة الوثقى تجنباً للخطر الإيراني.
أ يعقل أن أبو الغيط لم يسمع الأخبار منذ عشرين سنة ولا يعلم أن الفوسفور الأبيض الذي أحرق أجساد الأطفال في غزة رمته طائرات أمريكية. هل حالت الصدفة بين أبو الغيط وبين معرفته أن الصهاينة هم الذين حاربوا مصر واحتلوا أرضها وارتكبوا في بعض مدارسها المجازر بالأسلحة الأمريكية. هل سمع أبو الغيط بأطفال العراق؟ وهل سمع بمن سمح لمن هب ودب بالتدخل في العراق والعبث بخيرات العراق ومقدراته.
أتسائل باستمرار، إذا كان أبو الغيط يعلم أن إيران هي الخطر الأول على الأمن القومي المصري كما صرح بذلك في الشهر السادس من العام 2007، فلماذا قامت الحكومة المصرية إذاً بقيادة الرئيس حسني مبارك ببذل قصارى الجهد لحشد الدعم لأمريكا في حربها ضد العراق في مطلع التسعينيات، بل وتجاوزت القيادة المصرية وقتها ميثاق الجامعة العربية للمساهمة في تدمير العراق؟.
في العام 2007 اعتبر أبو الغيط أن الخطر الرئيس على الأمن القومي العربي والمصري هو إيران، لأنها كما قال تدعم انقلاب حماس على السلطة الشرعية في غزة، وغزة على مرمى حجر من مصر وبالتالي فإيران هي الخطر الأشد على مصر.
لم ير أبو الغيط الصهاينة الذين يقتلون كل حين جنوداً مصريين على الحدود، وعلى ما يبدو فإن السيد الوزير لا يرى في الصهاينة كياناً غاصباً يريد احتلال القاهرة كما يفكر باحتلال المدينة المنورة، والسيطرة على الأرض العربية كلها بشجرها وكلأها.
لم أر أبو الغيط مستأسداً إلا عندما يتعلق الأمر بالإساءة للدول العربية والإسلامية، أما حينما يتعلق الأمر بالصهاينة فإنه رجل ذو ابتسامة عريضة وصدر رحب ويعطي فرصة للحوار.
كم أتمنى على هذا الرجل أن يطلق تصريحاته ضد ليبرمان، وأن يتوقف عن مجاملة الصهاينة على حساب الحقوق العربية المشروعة بل الحقوق المصرية المشروعة في التحكم بأرض سيناء.
أصبحت إيران الخطر الأول على الأمن المصري القومي، أما الصهاينة الذين قتلوا مئتين وخمسين مصرياً أسيرا فهم أحبة ولا يشكلون خطراً على الأمن القومي العربي والمصري.
وإذا كانت إيران تدعم بالفعل حماس في غزة في سبيل مقاتلة الصهاينة، فهذا يعني أن أبو الغيط يدعم الصهاينة في حربهم ضد غزة وبالتالي فلسطين، ولا شك أنني أميل إلى هذا الرأي، فقد حاصرت الحكومة المصرية غزة حتى جاع أهلها وانقطعت مواردها، ثم أتت الآلة الصهيونية لتدمر بيوتها وتقتل سكانها.
ولا أشك أن أبو الغيط يعتبر غزة نفسها وسورية وليبيا خطراً على الأمن القومي المصري ولكن ليس الكيان الصهيوني الإرهابي.
أعتقد جازماً أن تصريحات أبو الغيط في هذه الفترة كانت مقصودة ومدروسة ليس للإساءة لإيران فحسب بل للإساءة لسورية أيضاً التي استقبلت الرئيس الإيراني في هذه الفترة.
مرة أخرى أريد أن أؤكد أن على إيران أن تثبت اليوم أنها تقف في الصف العربي والإسلامي من خلال إبداء النية الحسنة تجاه الإمارات فيما يتعلق بجزرها الثلاث. وفيما يتعلق بالعراق، ومسألة التحريض المبطن لأنصار الحوثي في اليمن العربي الموحد. قد تضرب أمريكا إيران يوماً، فمن يقف معها من جيرانها إذا بقيت على سياساتها التي لا تخفى على أحد في العراق.
ولهذا فإننا نأمل من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والحكومة الإيرانية أن تراجع مواقفها فيما يتعلق ببعض القضايا الحساسة في المنطقة.
ولا شك فإن تغيير إيران لبعض سياساتها سيحشد لها دعماً عربياً وإسلامياً لا محدوداً، وقد رأينا تعاطف الشارع العربي مع تصريحات الرئيس الإيراني الأخيرة ومدى القبول والتفاعل معها.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية