بينما تتفاقم معاناة الفلسطينيين المحاصرين في غزة والمقموعين في الضفة وفي سجون الاحتلال وسلطة رام الله، يتعثر الحوار ولا تلوح في الأفق أي بشائر لنجاحه، ليتحول إلى مجرد ملهاة للرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي، وذريعة لتنصل الرسميين العرب من مسؤولية إعادة إعمار غزة.
فربما يشعر النظام الرسمي العربي بحالة من الراحة والارتخاء بسبب استمرار جولات الحوار وامتداده لأشهر عديدة دون التوصل إلى حل ينهي حالة الصراع الداخلي الفلسطيني، فالنظام الرسمي العربي يتذرع لتقاعسه وتلكئه في فك الحصار عن غزة وإعادة إعمارها باستمرار ما يسمى الانقسام الداخلي الفلسطيني، والشعوب العربية مخدرة ولا تمارس أي ضغط على حكوماتها المتواطئة ضد غزة، بحجة أن هذه الشعوب تنتظر نتائج الحوار!! وهكذا تستمر المأساة الفلسطينية، وتتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني، بينما ينتظر الجميع نجاح جولات الحوار، وتستخدمه بعض الأطراف العربية والفلسطينية في إطار سياسة كسب الوقت، للتهرب من استحقاقات المرحلة، وبينما يعد العدو الصهيوني العدة لحرب أخرى ضد غزة، ويواصل عمليات التهويد والاستيطان والعدوان.
ويأمل الفلسطينيون، وخاصة في غزة، أن يسفر الحوار عن وقف الصراع الداخلي وكسر الحصار وإعادة إعمار غزة، رغم أنهم يشكون في ذلك، إذ يدرك الفلسطينيون أنهم يتعرضون لمؤامرة تقودها الولايات المتحدة وتشارك فيها أطراف رسمية عربية إلى جانب سلطة رام الله بهدف كسر إرادتهم وإجبارهم على الاستسلام، وأن الحوار ما هو إلا وسيلة لتوظيف المعاناة والدمار والحصار في تحقيق ذلك، وهذا هو سبب أساس من أسباب صبرهم وتحملهم وتفهمهم لمواقف حركة حماس الرافضة للاستسلام.
أما الشعوب العربية، فهي غير متحمسة لنصرة غزة ولا تبالي كثيراً بأبعاد استمرار المعاناة المتفاقمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة والمقموع في الضفة المحتلة على القضية الفلسطينية ومستقبل منطقتنا العربية، ربما لحرصها على تفادي قمع الحكومات لها، وربما لأنها تعيش حالة من التخدير, وربما لأنها لا تدرك حجم تلك المعاناة وآثارها الخطيرة على ثقافة الجيل العربي الناشئ، الذي يسعى الأعداء الصهاينة والغربيون إلى غرس ثقافة الهزيمة والاستسلام في نفوسه، ليستسيغ الهزيمة ويقبل هيمنة الأعداء عليه.
ويتمترس النظام الرسمي العربي خلف ما يسمى الانقسام، ويتخذ من استمراره مبرراً لسياساته الخائبة تجاه القضية الفلسطينية، فهل سيستنكف الرسميون العرب عن إعمار غزة إذا فشل الحوار في ترويض قوى المقاومة والممانعة الفلسطينية؟! ولماذا لا ينظر الرسميون العرب نظرة إنسانية إلى المعاناة الفلسطينية التي هم سبب رئيس في استمرارها وتفاقمها؟! يجب ألا نشك لحظة واحدة في أن الأنظمة العربية الصديقة للولايات المتحدة تستخدم المعاناة والحصار والدمار للضغط على الشعب الفلسطيني وابتزازه ومراودته عن حقوقه وكرامته وإنسانيته، وذلك لتغيير ثقافته المقاومة للاحتلال والعدوان وتكريس ثقافة الهزيمة والاستسلام، ويتخذ هؤلاء العرب المتواطئون ضد القضية الفلسطينية معاناة الشعب الفلسطيني سلاحاً للتخلص من حركة حماس بصفتها حركة إسلام سياسي تقض مضاجعهم وتبشر بقرب خلاص الشعوب العربية منهم ومن قمعهم واستبدادهم...
وهناك خلاف جوهري بين حركتي حماس وفتح حول معايير نجاح الحوار، فالحوار ينجح من وجهة نظر فتح إذا خضعت حماس وشعبنا كله لشروط اللجنة الرباعية، وإذا ظلت فتح محتكرة للنفوذ والسلطة والشرعية. أما بالنسبة لحركة حماس، فينجح الحوار إذا أدى إلى اعتراف فتح والقوى الخارجية التي تدعمها بشرعية حركة حماس واستحقاقات ذلك المتعلقة بمشاركة حماس في الحكم والسلطة، وإذا أدى إلى كسر عزلة الحكومة الفلسطينية الشرعية وكسر حصار غزة وإعادة إعمارها. وهناك فصائل فلسطينية تضغط باتجاه التوافق الوطني بأي ثمن، فتحولت أولوياتها الوطنية من تحرير فلسطين إلى إنهاء الانقسام، ولهذا فهي بانتظار نجاح الحوار!
وفي غمرة استغلال أطراف عربية وفلسطينية الحوار لكسب الوقت، يجب ألا ننسى أن غزة تعاني بقسوة وتتألم بشدة، ولهذا يجب الضغط بشدة على الرسميين العرب المتخاذلين، وزجر الشعوب العربية على تخدرها، فلا فائدة من انتظار نجاح الحوار!!
5/5/2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية