أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثغر الوطن المبوزم ... حسن بلال التل

 اعرف ان كان الجميع يعرف (البوزمة)، لكن اظن ان التعبير واضح الى حد بعيد، فمن لا يعرفه من الثقافة المحلية المبنية على الكشرة كابرا عن كابر، فلا بد يعرفه من المسلسلات السورية (التراثية) الكثيرة مثل باب الحارة وما لف لفه، والتي اخذت صدى وأهمية فاقت خطابات عبد الناصر أيام عزه.
المهم ان البوزمة هي مرحلة متقدمة متطورة من التكشير والتقطيب والتنفيخ المدمج الموحد التي تميز الاردني خصوصا، ورغم ان البوزمة هي تقليد عتيق للدلالة على الهيبة والوقار، ويمتاز بها المسؤولون الاردنيون من رتبة مختار حارة وجر، الا أن من يذكرون الماضي التليد للادارة الاردنية يجزمون اننا لم نكن دوما مبوزمين.
اذكر انه قبل نحو 17 عاما او اكثر قليلا عندما حظيت بأولى اسفاري وكانت الى دولة اوروبية انني غادرت المطار مرتاحا ترافقني ابتسامات وتحايا من مررت به من مدنيين وعسكريين، وعندما عدت شعرت براحة أكبر، لأن الابتسامات كانت أعرض والتحايا أصدق وأكثر، وهو أمر لم اجده حينها حتى في مطارات أوروبا بل على العكس كانت حتى الاجراءات -التي لم تكن الكترونية بالكامل بعد- أسرع واكفأ في مطار الملكة علياء من نظيره الاوروبي.
ورغم انني حتى اللحظة اشعر بضيق غريب يرافقني كلما غادرت الحدود لا يغادرني الا بعد أن أعبرها عائدا إلا أنني عاما بعد عام اشعر بهذا الضيق يقل، ليس لشيء الا ان الآية انقلبت 180 درجة، فأصبحت تغادر الاردن ترافقك التكشيرات والبوزمة وفوضى الاجراءات وتعود ليستقبلك ما هو اسوء.
فعلى سبيل المثال عندما تغادر الحدود الاردنية البرية تمر على الاقل بخمس نقاط تفتيش او توقف او سمها ما شئت، ودوما أول ما يسألك اياه الشخص الذي يقابلك مدنيا كان أم عسكريا: ((مسافر؟؟!!))....-وعلى فكرة يفاجئك ذات السؤال في المطار ايضا- ورغم ان السؤال ينم عن (.....) شديد او ملل أشد الا أنه يُسأل عشرات المرات الى الحد الذي دفعني في احدى المرات الى أن أرد على أحد السائلين ردا سلبياً..... ورغم أن الرجل شعر بالحرج بعدها وشعرت به انا كذلك الا انه ادرك الدافع وقام بما يشبه الاعتذار، فيما على الجانب الاخر من الحدود لم اسمع سوى عبارتي (اهلا وسهلا وحمد الله على السلامة) ترافقها ابتسامات عديدة وان كانت مصطنعة فيما كان آخر وجه رأيته على الجانب الاردني (بيشر) نكد وعيون بتقدح شرار....
اما في درب العودة وبعد اتمام الاجراءات وعلى الجانب الآخر من الحدود فتودعك عدة يافطات تحمل عبارات رقيقة لطيفة فيما تستقبلك على هذا الجانب عبارة (قف للتفتيش)، وبعد اللافتة الاولى باقل من متر تطالع اخرى تحمل كلمة (قف) فقط، تليها اخرى بعد أقل من مترين ايضا تحمل كلمة (قف)، بشكل يشعرك بعد لحظة انك ستجد لافتة تقول (وقّف احسنلك... او وَلَكْ وقف عندك.. يليها صلية من رصاص التحذير)!!! أما كلمات مثل أهلا وسهلا أو الحمد لله على السلامة وما شابهها فقد انقرضت عن لافتات الاستقبال وألسُن العاملين في المراكز الحدودية.
من المفترض اننا بلد سياحي او على الاقل نسوق ونحاول ونروج لنجعل من انفسنا بلدا سياحيا، لكن ما ننساه ونفتقده هو ادراك ان السياحة بكاملها مبنية على الراحة والتأثير النفسيين على السائح، لذلك نجد دولا اخرى يجتاحها الغلاء والنصب والرشاوى بل وحتى القذارة في افخم فنادفها لكن اعداد السياح بها اضعاف اضعاف ما يأتينا، ببساطة لأن الجماعة (ملقاهم طيب) وان كان منظرا دون مخبر، فيما نحن نتميز بالمخبر الطيب ولكن المنظر الطيب يتلاشى يوما بعد يوم، وان كنت اعذر في ذلك البعض بسبب سوء الاوضاع وتفشي الفقر والغلاء وسواه مما جعل الحياة (نكد في نكد)، اضافة الى حشو العديد من الاجهزة والمؤسسات بمن ليسوا اكفاء او قادرين وهم مجرد تنفيعة لفلان و مونة من علان، الا أن ذلك لا يعني ان نحول وطنا بحجم وردة الى وطن بشكل كشرة، ونتسبب قاصدين او غير قاصدين بتطفيش القريب قبل الغريب.
ملاحظات نضعها على مكتب المعنيين علها تجد اذنا صاغية وشفة تعرف الابتسامة لا صدرا ضيقا وجبينا مقطبا متغصنا ينهي بها المآل الى اقرب سلة مهملات ومعها ما قد يكون فيه بعض علاج لبعض داء

(102)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي