أنفلونزا التضليل في بلد التهليل ... همام كدر

"أعلنت وزارة الصحة السورية اليوم خلو سورية من أي حالة مشتبهة أو مؤكدة حيوانية أو بشرية بمرض أنفلونزا الخنازير".

 لا أعرف إذا كان الإعلان السابق يأتي ضمن المرحلة الدقيقة التي نمر بها وضرورة شد الأحزمة على البطون لمواجهة المخطط الاستعماري التوسعي وكشف نظرية المؤامرة، كما أني لا أعرف ماذا استخدمت وزارة الصحة الموقرة من أدوات كشف وبحث عن (H1N1)الذي وإن صادفه أحد خنازيرنا البرية لن يعرفه لأنهم أي خنزيرنا لم يلجوا بلادا غير هذي البلاد وعليهم ما يكفي من التعتيم والدفء كي لا يصابون بأي سعلة ناعمة فما بالك بالأنفلونزا.

كما أكد كبير اقتصاديي البلاد منذ فترة عدم تأثرنا بالأزمة المالية لا بل وصل به الأمر إلا أننا سنكون من المستفيدين منها إذا ما عرفنا كيف ندبر الأمور ونستقطب المستثمرين التواقين إلى الاستثمار فينا.

وكذلك كان مفتش التربية قد أكد خلو الامتحانات من أي حالة غش، وكذلك شرطة السير أكدوا أن سورية أقل بلد فيه حوادث وكذلك مسؤولي الحدائق "خلو الغابات من الحرائق المفتعلة".

طيب يا أخوان عندما ينبري مسؤول ما في وزارة الصحة ليؤكد  خلونا من هذا المرض والعالم كله يقف على رجل واحدة لمواجهته ونصف سكان العالم مهددون بالإصابة به (هكذا تقول منظمة الصحة العالمية...والحكي مو من بيت خالتي)، لماذا لا يقدم لي وهو أبسط حقوقي في المعرفة شيئا ما عن واقع الخنازير في سورية عددها أو عدد مزارعها وهل بلدنا مستورد أو مورد لها، أو إمكانية انتقال هذا المرض إلى سورية، لماذا لا يعطيني ما فعلته وزارته الرشيدة في عملية الكشف هذه حتى وصلت إلى النتيجة ذاتها التي وصلت إليها أيام أنفلونزا الطيور وهي خلو البلاد (وفي ذلك الوقت وما راحت غير على الحميماتية ومربي عصافير الزينة).

هل التضليل هو جزء من المقاومة والصمود والتصدي، الدول تفاخر في صدقها مع شعبها عندما تسارع إلى الإعلان عن وجود أي حالة من هذا النوع، وأنا قد أؤمن أن البلد خاليا تماما منه ولكن أريد شواهد ودلائل وبراهين لا إعلان مثل "أكد مصدر مسؤول وانتهى وكأن المصدر المسؤول منزل من عند الله ، هل أجرت إحدى كليات الطب دراسة ما حول الموضوع أو إحصائية أو تجربة طبيبة واحدة أو... أو..،  أم أن تأكيد الخلو هو شأن قومي يأتي مع نشرات التثقيف الذاتي ويستطيع كتابته أي رفيق شبيبي.

كما فعل الاقتصاديون في نفي تأثرنا بالأزمة المالية عندما لم يشرحوا لنا ذلك ومغمغوا السبب في سرد وقائع عن اقتصاد السوق وتحرير الدعم وما إلى ذلك ...

من تضليل لم يعد ينفع أمام مواطن يستطيع بكبسة زر معرفة كل ما يجري حوله وتحت طاولة الحكومة، هكذا نحن نؤكد خلونا من المخدرات ولا نقدم ولو إحصائية بسيطة عن عدد اللذين تعالجوا من هذا الوباء في مشافينا، ثم نركض لنبارك لهذا السمؤول أو ذاك عندما يشار إلى إنجازاته في مديرته مثلا ونصفه بكلمات تهليلية رنانة طنانة دون أن نعرف ماذا فعل حقيقة هذا المسؤول.

إن الحالة الخطابية التي يعاني منها إعلامنا ومسؤولينا على حد سواء (ولا أعرف من عدا الآخر الجاجة أم البيضة) هي من يصل بنا إلى هذا التضليل، كأن يأتي مسؤول رفيع ليفتتح معرض كاريكاتير عن الجوع بدمشق مؤخرا وعندما تأتي لتأخذ منه تصريح حول المعرض يعطيك كلاما عن نظرية المؤامرة ويمنحك خطابا سريعا حول سياسة القطب الواحد في العالم، وهكذا ...

ملاحظة إليكم ماذا فعلت دول المنطقة حيال انفلونزا الخنازير:  في إسرائيل أعلن عن وجود إصابتين بانفلونزا الخنازير ، و أعلن مصدر سعودي أن وزراء الصحة العرب سيناقشون الأزمة والطرق الاحترازية منها في التاسع من الشهر الحالي. بينما خصصت العراق ما يقرب من ثلاثين مليار دولار لمواجهة الوباء. في الوقت الذي منعت فيه الإمارات استيراد لحوم الخنازير ومنعها من دخول أراضيها،وأخيرا مصر تأمر بذبح الخنازير كإجراء احترازي ، فماذا أنتم فاعلون؟؟؟