أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المتآمر الأول على السوريين في ألمانيا.. ضابط درس في أرقى أكاديميات العالم العسكرية وحل ضيفا على الجيش البريطاني

الضابط الألماني "فرانكو ألبريخت" - ذي تلغراف

• قضيته هزت أركان برلين لخطورتها، لكنه اليوم حر طليق
• كاد أن يقضي على آمال السوريين في ألمانيا وعموم أوروبا بوساطة "ديفيد بنيامين"
• تدرب في مدرسة عسكرية يحلم بها أبناء الملوك وزار واحدة أخرى يتسابق عليها أصحاب السلطة
• صدفة أخذ بصماته في فيينا كشفت مؤامرته الكبيرة

خبر الألمان ومعهم السوريون، خلال السنوات الماضية، كثيرا من حوادث انتحال الأشخاص للجنسية السورية في سبيل الحصول على حق اللجوء أو الحماية في بلاد "ماما ميركل" كما يدعوها كثير من اللاجئين السوريين في ألمانيا، كناية عن إعجابهم بإنسانية المستشارة الألمانية التي شرعت حدود بلادها أمام موجات اللاجئين السوريين واستقبلت منهم مئات الآلاف.

لكن أحدا من الألمان والسوريين لم يكن يتخيل يوما أن تصل عدوى انتحال الجنسية السورية إلى الألمان أنفسهم، بل وإلى ضابط يحظى بحياة كريمة وسبق له أن تخرج من أكاديمية عسكرية يتسابق عليها أولاد الرؤساء والملوك، كما زار أكاديمية أخرى تناطح في شهرتها وقوتها الأكاديمية التي تخرج منها.

قضية الضابط الألماني "فرانكو ألبريخت" الذي انتحل صفة لاجئ سوري وحصل على قرار بذلك، ليست جديدة، فقد اكتشفت ألمانيا تلاعبه واحتياله في 2017، ولكن الجديد فيها وقائع قدمتها صحيفة "ذي تلغراف" البريطانية، في تقرير تولت "زمان الوصل" ترجمته.

*عامان بلا بت

تساءل الصحافي معد التقرير عن سر عدم البت بقضية "فرانكو" الذي سبق أن تصدرت قصته المثيرة عناوين صحف العالم، رغم مرور عامين على انكشاف خيوطها، التي وصلت إلى منعطف خطر عندما تم اتهام الرجل بأنه كان يخطط لاغتيال شخصيات عامة، وإلصاق تلك الجرائم بطالبي اللجوء، ما فتح أعين برلين على قضية شائكة ومتفجرة تدور حول احتمال اختراق خلية متطرفة لجيش البلاد.

ومع ذلك فقد تم إطلاق سراح "فرانكو" وإسقاط التهم الموجهة ضد عسكريين آخرين اعتقلوا في نفس القضية.

ومع إن "فرانكو" ما يزال يواجه تهما عديدة، فإن "ماكينة" القضاء الألماني تعطلت عند قضيته على ما يبدو، إلى درجة أن هذا الشخص يتمتع بحرية التنقل داخل ألمانيا بل وحتى خارجها (كامل أوروبا).

الجديد الذي كشفت عنه "ذي تلغراف" كان مجموعة من الصور والمعلومات التي تؤكد أن "فرانكو" لم يكن ضابطا عاديا، فقد حظي بزيارة أكاديمية "ساندهرست" الملكية البريطانية الغنية عن التعريف، وكان ضيفا على الجيش البريطاني خلال تلك الزيارة، عامي 2013 و2014.

وتظهر الصور التي التقطت قبل 3 سنوات من اعتقاله، ضابطا شابا وقع عليه الاختيار من بين نخبة الضباط الألمان ليكون مشاركا في برنامج للتبادل مع أكاديمية "سان سير" العسكرية المرموقة في فرنسا، والتي لها نشاطات مشتركة مع أكاديمية "ساندهيرست"، حيث تحتكر الأكاديميتان العريقتان صيت التدريب العسكري حول العالم، ويتسابق ملوك ورؤساء ومشاهير من دول كثيرة لزج أبنائهم وأقاربهم في هاتين الأكاديميتين.

لكن "فرانكو" الذي كان قد وصل إلى مكان يتمنى الكثيرون الوقوف على عتباته، عمد بعد فترة (أواخر 2015) إلى تنفيذ عملية ملغومة، حين وضع المكياج على وجهه ليمنح بشرته قليلا من السمرة، ويقدم نفسه لسلطات اللجوء في ألمانيا، بصفة سوري مسيحي يبحث عن الأمان.

*خادعكم ليكشفكم!
ما تزال كثير من ملابسات تقدم "فرانكو" إلى سلطات بلاده، ونجاحه في "خداعها" وتقديم نفسه كسوري.. ما تزال طي الكتمان، لكن من المؤكد أن الرجل قضى أكثر من عام وهو يعيش حياة مزدوجة، فهو في قاعدته العسكرية ضابط في الجيش الألماني، وفي مأوى اللاجئين على بعد مئات الأميال من عمله اسمه "ديفيد بنيامين" المسيحي القادم من سوريا، والمتحدر أساسا من أصل فرنسي!

ورغم أنه لايتحدث العربية، فإن السلطات المخولة منحته حق الحماية المؤقتة، وأدرجت اسمه ضمن مستحقي المساعدات، أسوة بكل من يمنح حق اللجوء أو الحماية الثانوية في البلاد.

في لائحة الاتهام ضده تم الحديث صراحة عن نية "فرانكو" اختلاق شخصية "ديفيد بنيامين" وترسيخها، قبل قيامه باغتيال سياسيين وشخصيات عامة في البلاد، وجعل هذه الاغتيالات تبدو وكأنها حقا من فعل اللاجئ السوري "بنيامين" الذي لا وجود له على أرض الواقع.

ومع كل ما يحيط هذه الاتهامات من خطورة وحساسية، فإن محامي الدفاع عن "فرانكو" حاولوا تسطيح قضيته زاعمين أن الشاب لم يعمد إلى تلاعبه وتزويره إلا من أجل أن يعري أوجه القصور في نظام اللجوء الألماني، ويكشف فشل هذا النظام في تحديد هوية الوافدين إلى البلاد.

وبناء على نصيحة طاقم الدفاع عنه، استطاع "فرانكو" الامتناع عن أي تعليق بخصوص قضيته وأبعادها وملابساتها، بحجة أن هذه القضية ما تزال منظورة أمام القضاء.. لكن الصحافة الباحثة عن الحقيقة لا تعدم وسيلة للوصول إلى هدفها، وهذا ما كان من أحدى الصحف السويسرية التي استطاعت الحصول على شهادات من أصدقاء وأقارب للضابط المحتال، تحدثوا شرط إخفاء هوياتهم.

وفي تلك الشهادات قال أحد أصدقاء "فرانكو" إن الأخير يستحق وسام تقدير لكشفه الثغرات الأمنية الفادحة في نظام اللجوء، بينما علق شقيق "فرانكو": "كان تسجيل أخي نفسه كلاجئ استراتيجية شديدة الخطورة، لكنه كان دائما يبحث عن الحقيقة.. لقد أصاب الشرطة بالخبل وكانت السلطات تلاحقه بهوس.. فرانكو كان العدو رقم واحد لديهم".

*نسيت البندقية في متاعي
في شباط/فبراير 2017، وقع "فرانكو" في قبضة الأمن بمطار العاصمة النمساوية وهو يحاول تهريب بندقية، وهي البندقية التي اتهمه الادعاء الألماني بأنها كانت السلاح المعد لتنفيذ سلسلة من الاغتيالات يتم إلصاقها باللاجئ السوري "ديفيد بنيامين".

سقوط "فرانكو" في قبضة الأمن النمساوي متلبسا بالجرم، جعله يلجأ إلى رواية ساذجة مفادها أنه وبينما كان في فيينا للمشاركة في نشاط عسكري (دورة كرة قدم)، وجد البندقية ملقاة بين الأشجار، فأخذها على نية تسليمها للسلطات، لكنه نسيها في أمتعته ولم يتذكرها إلا وهو متجه إلى المطار نحو مدينة "زيوريخ" السويسرية، ما جعله فزعا ودفعه لإخفاء البندقية في إحدى مراحيض مطار فيينا.

وعلى هامش الاستجواب، أخذت الشرطة النمساوية بصمات أصابع الرجل بوصفه "فرانكو" الضابط الألماني، وكم كانت المفاجأة صاعقة عندما وجدت هذه الشرطة في أرشيفها بصمات متطابقة لـ"ديفيد بنيامين" اللاجئ السوري!

في نيسان/ أبريل 2017، تمت مداهمة القاعدة العسكرية التي يخدم بها "فرانكو" واقتيد للتحقيق، فيما عثرت السلطات الألمانية بالتزامن على كميات كبيرة من الذخيرة العسكرية في الطابق السفلي من منزل والدته، كان "فرانكو" يخزنها لليوم الموعود.

هنا أيضا تدخل محامو الدفاع ليقولوا إن تخرين "فرانكو" للذخيرة إنما جاء في إطار استعداده لمواجهة الاضطرابات وحالات الطوارئ، لكن هذه الرواية لم تنطل على الادعاء الذي استطاع إثبات تاريخ من التعاطف بين "فرانكو" واليمين المتطرف في ألمانيا.

فعندما كان يدرس في أكاديمية "سان سير" الفرنسية المرموقة، تقدم "فرانكو" بأطروحة لنيل درجة الماجستير، لكن الأطروحة رفضت بسبب تبنيه آراء عنصرية و"معادية للسامية"، بما في ذلك الاستشهاد بمنكر "الهلوكوست" البريطاني "ديفيد أيرفينج".

ولم يكن هذا كل شئ في قرائن الإدانة، فقد عثر الأمن على "قائمة موت" حددت الأشخاص الذي عزم "فرانكو" على اغتيالهم بصفته "بنيامين" السوري، وكان من بين المستهدفين وزير خارجية ألمانيا.

ومع كل ذلك، فقد تخلت محكمة فرانكفورت الإقليمية العليا في صيف العام الماضي عن محاكمة "فرانكو" بتهم الإرهاب، متذرعة بأن الادعاء فشل في تقديم أدلة لدعم هذه التهم، وهكذا تقلصت التهم إلى اتهامات بسيطة نسبيا مثل حيازة الذخيرة وانتحال شخصية طالب لجوء، وتم تحويل القضية إلى محكمة ابتدائية.

لكن الادعاء لم يستكن واستأنف ضد حكم محكمة فرانكفورت، وما يزال هذا الاستئناف قيد النظر حتى اليوم.

*لم يتغير شيء في حياته
في غضون ذلك، استطاع "فرانكو" وعلى نحو مثير للدهشة من أن يكون خارج سجنه بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 (بعد نحو 7 أشهر من احتجازه)، رغم جسامة التهم الموجهة إليه، بل إنه صار طليقا كأي إنسان عادي بعد حكم محكمة فرانكفورت، حيث لم يعد حتى ملتزما بإخبار الشرطة عن أماكن تحركه، وربما الشيء الوحيد الذي تغير في حياته أن "فرانكو" موقوف عن العمل، ولم يستطع العودة إلى ارتداء زي الجيش الألماني حتى اللحظة.

منذ إطلاق سراحه، بات "فرانكو" يتجول في ألمانيا وعموم أوروبا بكامل حريته، وقد زار المملكة المتحدة، وقام بمقابلة صحافيين لكنه لم يبح لهم بأي شيء، لأن قضيته ما تزال أمام قضاء بلاده، وما يزال لدى الادعاء العام الاتحادي قناعة راسخة بأن الضابط كان يعد لـ"عمل خطير من أعمال العنف ضد الدولة"، لكن هذا الادعاء يبدو مكبلا أيضا لأن محكمة العدل الاتحادية الألمانية لم تبت بطلب استئنافه ضد تبرئة "فرانكو" من تهم الإرهاب.

ومنذ الكشف عن خيوطها، انعكست قضية "فرانكو" بشكل واضح على ملفات اللجوء وطرق دراستها في ألمانيا، وشرعت دوائر اللجوء في مراجعة كم كبير من الملفات والقرارات التي اتخذتها، مخافة أن يكون قد اعتراها الخداع والتلاعب، وقد أثرت هذه المراجعات على وتيرة البت في الملفات الجديدة حيث باتت أكثر بطئا وأشد تدقيقا.

زمان الوصل - ترجمة
(166)    هل أعجبتك المقالة (188)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي