في عقدة طرق بمدينة "بنش" على الطريق الدولي إدلب -حلب يقف شرطي المرور حاملا صفارته بينما تشير يداه الملوحتان إلى السيارات بالمرور من هنا وهناك. سيارات من كل اتجاه وعشرات الدراجات النارية يكتظ بها المكان.
لا يستطيع الشرطي الوحيد التحكم بالطريق المزدحم كما ينبغي، فلا إشارات مرور ولا قواعد متبعة في السير لدرجة أن "المرء يقرأ المعوذتين كلما قاد مركبته في شوارع المدينة" يقول أحد السكان في إشارة إلى الفوضى القاتلة التي يشهدها قطاع المرور في محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
سيطرة "حكومة الإنقاذ" على إدارة إدلب وريف حلب الغربي منذ أشهر قادت الشرطة الحرة إلى الاستقالة، عملت هذه المؤسسة -التي تأسست في العام 2013 وكانت تحصل على دعم جيد من قبل جهات مانحة غربية عبر برنامج "أمان وعدالة مجتمعية"- على فرض نوع من النظام البسيط على الواقع المروري السيئ في المنطقة.
كان "عبد الرزاق فج" أحد أعضاء هذه الشرطة في ريف حلب، يقول لـ"زمان الوصل" عن الأزمة الراهنة في ريف حلب: "حالياً الوضع لدينا صعب.. لا وجود لعناصر مرور في المنطقة بسبب إنهاء الشرطة الحرة".
مع تسلم "حكومة الإنقاذ" إدارة المنطقة التي تشمل إدلب وجميع الريفين الحموي والحلبي الواقع تحت سيطرة المعارضة عدا الريف الشمالي لحلب (درع الفرات-غصن الزيتون) لا يبدو أن الفوضى المرورية قد انتهت. فلا إجراءات جديدة لتلافي الوضع أو محاولات لفرض نظام سير موحد.
"زمان الوصل" حاولت مرارا التواصل مع المسؤولين عن قطاع المرور في "حكومة الإنقاذ" للتعليق حول الفوضى الحاصلة لكن دون جدوى.
يصف أحد سكان إدلب الأزمة خلال حديث لـ"زمان الوصل" قائلا "ليس لدينا نظام مرور ولا إشارات ولا طرقات جيدة. تقود سيارتك على الطريق الدولي فتفاجأ بالسيارات المخالفة التي تمر بشكل معاكس". يتابع الشاب ويدعى "أبو وليد" "هذا الأمر يرعبني حقا.. بالأمس جرت حادثة مروعة مع أحد أصدقائي الذي كان يقود دراجته النارية في طريق فارغ ليفاجأ بدراجة أخرى تنبثق من إحدى الحارات. لم يتمكن صديقي من الرؤية بسبب الضوء العالي لمصباح الدراجة الأمامي، ما أدى لصدمة مروعة قادت الشابين إلى العناية المشددة في مشفى العيادات بإدلب".
تعتبر حوادث السير بسبب غياب النظام المروري أمرا شبه يومي. ولا تتوفر إحصائية لحجم الحوادث منذ بداية العام الحالي بسبب توقف الشرطة الحرة، لكن السكان يتحدثون عنها بكثرة خصوصا في الطرقات الدولية وعقد المواصلات.
وشهد العام الماضي 72 حادث سير في إدلب وفق إحصائية غير مكتملة -نشرتها مواقع إعلامية- نقلا عن شرطة المرور في إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ.
وفي العام 2016 نظمت الشرطة الحرة في حلب وريفها 275 ضبطا بحوادث مرورية في المدينة وريفها. بحسب ما نشرته "زمان الوصل" في حينها.
بأسى بالغ يتذكر العشريني "سعد" الحادثة التي أدت لفقده جزءا من قدمه ومكوثه في حالة غيبوبة نتيجة ارتطامه بحافلة كبيرة على طريق سراقب -إدلب. كان يسير بانتظام على الطريق لتمر حافلة مسرعة وترتطم بدراجته. قذف سعد عدة أمتار في الهواء ثم ارتطم بالأرض.
يقول: "كان الحافلة مخالفة، قوة الصدمة أفقدتني الوعي ولا زلت حتى اليوم أقوم بعمليات جراحية تجاوزت 10 لمعالجة هذه الإصابة البالغة".
بعد عناء طويل تمكن الشرطي الواقف عند عقدة "بنش" من فك الازدحام. سارت السيارات بهدوء من جميع الاتجاهات بينما كانت يدا الشرطي لا تكفان عن التلويح وصفارته تطلق صوتا متقطعا بين الفينة والأخرى.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية