قبل سنوات الحرب كان "جسر الرومان" أو ما يُعرف بجسر"عين ديوار" ملتقى لآلاف السوريين الذين يفدون إليه من كل المدن لمراقبة كسوف القمر وخسوف الشمس لأنه المكان المثالي لمراقبة هاتين الظاهرتين ورؤيتهما بالعين المجردة. ورغم ضجيج الحرب وتعرض المنطقة للقصف المتواصل والاشتباكات والمعارك لكونها منطقة تماس، لا يزال هذا الجسر متماسكا بما تبقى من بنيته الإنشائية وشكله المعماري الجميل، غير عابئ بما يجري حوله.
ويقع الجسر على بعد 6 كم من قرية "عين ديوار" التي اكتسب اسمها وحوالي 22 كم عن مدينة "المالكية" وحوالي 100 عن نهر دجلة مقابل مدينة جزيرة "بوطان". ويرى الباحث الآثاري "بهجت أحمد" في حديث لـ"زمان الوصل" أن تسمية الجسر بـ"الروماني" يعود إلى اعتقاد الباحثين ومنهم "سيزري، أوكونور، وغاليزو" إلى أنه بني زمن السيطرة الرومانية على هذه المنطقة، وخاصة أن طراز البناء -كما يقول- مشابه للعمارة الرومانية، أما بشأن التسمية المتداولة بين سكان المنطقة أي (برا بافد) فكلمة (بر) تعني الجسر في اللغة الكوردية، أما كلمة (بافد)، فهي كلمة سريانية تنقسم إلى مقطعين "با" وتعني البيت و(فد) وتعني الرياح.
وأضاف "أحمد" أن هناك أقوالاً وروايات عدة حول تاريخ بناء الجسر، ومنها قول يذهب إلى أن بناء الجسر عائد إلى زمن الملك الآشوري "سنحريب"، وأن سبب بناء الجسر هو من أجل ربط مناطق الدولة الشرقية مع الغربية، وكذلك تسهيل مرور العربات الحربية أحد أهم أسلحة الآشوريين الحربية، وكذلك الأبراج الفلكية الموجودة على الجسر ومن هذه الأقوال تشابه الجسر مع جسر آخر ليس ببعيد عن موقع "عين ديوار" وهو جسر في مدينة زاخو (برا دلال) الذي بني على شكل مشابه لهذا الجسر، حيث عثر بالقرب منه على ألواح مسمارية كتبت باللغة الآشورية، والرأي الآخر –حسب أحمد- يقول بأنه بني زمن الرومان حيث طراز البناء روماني وكذلك المنحوتات الحجرية على الجسر التي تصور الأرقام الفلكية وعلامات الزودياك والفرسان التي تُنسب إلى العمارة الرومانية ومع كل ذلك يتم اعتبار الجسر رومانياً من قبل كل من "أوكونور" و"غاليزو" في استطلاعات شاملة للجسور، وكذلك اعتبره شتاين جسرا رومانياً كونه قريباً من المعسكر الروماني في بازبدي (بالقرب من جزيرة بوطان).
ومما يدعم الرأي الثاني ما يؤكده علماء الآثار من أن هذا الجسر بني لتصريف المياه وتسهيل حركة العبور التي تميزت به العمارة الرومانية في المناطق التي توجد فيها أنهار، إضافة إلى أن الجسر بُني دون استخدام الملاط أو المونة الرابطة وهذا هو الأسلوب المتبع في بناء الجسور والقناطر المائية.
ويذهب الرأي الثالث إلى القول بأن الجسر بناه الوزير "أبو جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الاصفهاني" والده الكامل بن علي كان أديباً مشهوراً، وكان أبو جعفر وزيراً عند "قطب الدين بن عماد الدين الزنكي بن آق سنقر"، حيث لم يكتمل بنائه لأنه الوزير أبو جعفر الأصفهاني ألقي القبض عليه، إضافة إلى وشاية من بعض رجال أمير الجيوش بقولهم يأخذ أموالك، فيتصرف بها إلا أن الأتابك قطب الدين لم يجرأ على القبض عليه إلا بمدد من أمير الجيوش زين الدين، حيث ألقي القبض عليه في رجب من العام 558 هجرية الموافق 1162م، وحُبس في قلعة الموصل وأصابه المرض حتى توفي في شعبان عام 559 هجرية الموافق 1163م، ولكن ابن الأثير أشار إلى انتهاء العمل في الجسر في عام 1164م أي بعد وفاة الوزير الأصفهاني بحوالي العام رغم عدم وجود أي مصدر تحدث أن العمل في بناء الجسر استمر بعد وفاة الوزير الاصفهاني الذي دفن في المدينة المنورة في مقبرة "البقيع".
ويزدان جسم جسر الرومان (عين ديوار) بالكثير من النقوش التي تشير إلى قيمته التاريخية والمعمارية وكان الجسر–بحسب محدثنا- مؤلفاً من ثلاثة قناطر ترتفع عن الأرض 16 متراً وعرض الأولى 11متراً والثانية 22 متراً والثالثة 66متراً ولم يتبق منها إلا الوسطى، لأن البقية تهدمت بفعل العوامل الطبيعية، ويوجد على جسم الجسر الجنوبي أبراج فلكية ذكرها الباحث الالماني "ارنست هيزرفيلد" في أبحاثه وهي سلسلة من ثمانية أبراج فلكية منحوتة وأرخها بالقرن الثاني عشر الميلادي ووصف الأبراج الحجرية حسب الرسومات النافرة عليها وتبدأ من اليمين على الشكل التالي 1-الميزان شرف زحل-2-السرطان شرف الجدي 3-القاهر شرف الجدي -4-الشمس شرفه الاسد-5-الزهرة شرفها الحوت 6-السنبلة شرف عطارد -7-القمر شرفه الثور .ونوّه محدثنا نقلاً عن مكتب حقوق الإنسان أن إجمالي المساحة التي سلبتها تركيا في قرية عين ديوار بروج آفا، بلغتـ 255 هكتاراً، في ظل السعي التركي لتغيير مجرى نهر دجلة وبالتالي تهديد الجسر الروماني الأثري بالغرق وإزالته من الوجود مما دعا اليونسكو –بحسب قوله- للتدخل عاجلاً من أجل وقف هذه الاعتداءات التي تتعارض مع كل المفاهيم والقيم الإنسانية والاتفاقيات الدولية بهذا الشأن.
وأشار المصدر إلى أن السلطات التركية أقدمت على بناء جدار بارتفاع 3 أمتار وعمق أكثر من 1 متر (جدار عازل) على حدودها مع سوريا وفي الأراضي السورية، ما أدى إلى تخريب وجرف مزروعات السكان المدنيين.
وتحول مجرى النهر عبر الزمن باتجاه الشمال وبقي الجسر نائياً، لكن معالمه لازالت شاهدة والمكون من ثلاثة قوائم داخل قاع النهر وقاعدتين ركيزتين على كل ضفة، وبفعل الزمن انهارت القباب المقنطرة لاثنتين منها ولازال قنطار واحد ماثلاً إلى الآن".
وحول استخدام منطقة الجسر والقنطرة بالذات كمنطقة مثالية لمراقبة خسوف القمر أشار مؤلف كتاب "المدخل إلى تاريخ ديريك (المالكية) الحديث" إلى أن الجسر استخدم في العمليات الفلكية مثل كسوف الشمس وخسوف القمر، وكانت الأبراج الفلكية الموجودة على الجسر-حسب قوله- مخصصة لدراسة دخول الشمس من أحد الأبراج الفلكية وكانت الحسابات الفلكية فيه دقيقة، وهذا ليس بغريب لكون المنطقة شهدت حضارات كان لها أثر كبير في علم الفلك وتقسيم أيام السنة مثل البابلية والآشورية والكلدانية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية