أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من قتل الحريري إذن؟ ... نضال نعيسة

كان يوماً قضائياً مثيراً، بكل ما في الكلمة من معنى. فقد أسدل الستار يوم أمس، على واحد من أكثر فصول عملية اغتيال الحريري دراماتيكية، وذلك بعد إطلاق سراح الضباط اللبنانيين الأربعة الموقوفين على ذمة تلك القضية، والذين كانوا قد احتجزوا قرابة الأربع سنوات، من دون أية أدلة مادية على تورطهم بالجريمة، ما يشكل ضربة قاصمة للنظام القضائي اللبناني الذي كان كثيرون، حتى تلك اللحظة، يتغنون به، وبنزاهته المزعومة، وعوّلوا كثيراً على قدرته على التعاطي، مع قضية جنائية كبيرة، بحجم قضية اغتيال الحريري.

وكم كان طيباً أن ينتصر القضاء اللبناني لنفسه، وأن يكون إطلاق سراح أولئك الضباط  قد تم بقرار لبناني بحت، ما يضع عشرات علامات الاستفهام على مفهوم السيادة التي طنطن به كثيرون وبنوا جل شرعيتهم السياسية عليه. ولو تمّ الإفراج، أيضاً، بعيداً عن أيادٍ خارجية، علـّه يستعيد، عندها، سمعته التي طاولها بعض الالتباس، عقب عملية الاحتجاز الطويل تلك للضباط الأربعة بدون أي ذنب أو تهمة واضحة، إنما بناء على الشبهة، والظن والتسييس. وفي هذا السياق، فقد كشفت التصريحات اللاحقة للمفرج عنهم، عن خفايا، ومضامين مرعبة، وصادمة لما اكتنف عملية الاعتقال.
فما كان معلوماً، أن  حيزاً كبيراً من الآمال، على حل لغز الجريمة، كان قد بني على احتجاز أولئك الضباط، وجاء الإفراج لينسف كل تلك الآمال "الأوهام"، من أساسها، ويعيد القضية برمتها، إلى بداياتها، وإلى المربع الأول الذي انطلقت منه في الرابع عشر من شباط/فبراير 2005.  وقام، بموازاتها، تكتل سياسي طويل، عريض تكنى بالرابع عشر من آذار بقي حاضراً في كواليس الحدث، وارتبطت فيه القضية بشكل وثيق مع الشرق أوسطية، ذاتها،  وانجرّ معها كثيرون من الحالمين والمغامرين، رافعين معاً يافطة "الحقيقة"، ولاشيء غير الحقيقة. ولذا، فلا يعلم أحد بعد اليوم، ماذا سيحل بكل أدبيات، ونهج، وخطاب ذاك التيار، لا بل بشرعيته، وبمستقبله السياسي برمته، ولاسيما أن الانتخابات اللبنانية على الأبواب، مع "خديعة" كبرى، تتراءى في خلفية المشهد.
وفي جانب آخر،  لا يمكن النظر لهذا التطور الدراماتيكي، إلا في إطار عملية الانفراجات، و"التسويات"، الملحوظة على غير صعيد، وملف، مع التداعي، والتلاشي النهائي للحقبة البوشية بكل شرورها وآثامها، والانهيار لكل الآمال التي عـُلـّقت عليها، والتي-البوشية- كانت تقف، عملياً،  وراء الكثير من الأزمات، والاستعصاءات التي عاشتها، وما زالت تعيش بعضها، المنطقة على مدى ثمانية أعوام خلت، بقضـّها وقضيضها، من إحياء، وتغذية ممنهجة للفوضى الهدامة، وتقويض للأمن والسلم، في المنطقة.
ومن الجدير ذكره، بأن خطاباً مضاداً ساد، وبشكل متزامن، مع  عملية الاغتيال واعتقال الضباط، كان يحذر من تسييس الموضوع، مع الشيوع والتقريع بـ"همروجة" المحكمة الدولية، من قبل أطراف بعينها، في غير مكان. وقد جاء هذا الإفراج، ليدلل، في أحد وجوهه، على صوابية ذاك الخطاب، ويؤكد أن السياسة، والتسييس، لم تكن غائبة عن القضية. 


 وبعيداً عن أية مشاعر تشف، أو شماتة، وزهو وخيلاء، ومع الالتزام  الدائم، للبعد الموضوعي  البعيد، كلياً عن الغوغائيات، في مقاربة هذه القضية الشائكة، فإنه يبدو، الآن، أنها قد دخلت في طور جديد من التعقيد، والغموض، والإثارة، أكثر مما هو جلاء لأية حقائق، أو "حقيقة" مأمولة، حولها، رغم ما يفتحه الإفراج من أبواب لاحتماليات، وتكهنات لا حصر لها، وممكنات توجيه الأصابع في غير اتجاه، وإن يكن، برأينا المتواضع، "حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة" في ثلاجات الانتظار العدلية هو المرجح، الأبرز، في هذا السياق. إذ سيستمر الغموض من جديد، لتظهر القضية كواحدة من الألغاز السياسية، والجنائية، الكبرى في هذه المنطقة، ولاسيما مع السقوط السابق،  والمدوي، أيضاً، والذي لا يقل دراماتيكية وإثارة، للمرحلة "الميليسية"، من التحقيق، وما رافقها من ألاعيب وأحابيل، ومحاولات تضليلية لم تكلل بالنجاح، كانت تعمـد جاهدة، في الحقيقة، إلى توجيه دفة التحقيق باتجاه واحد بعينه، دون آخر.  غير أن القاتل الحقيقي، وكما يظهر اليوم، وفي ضوء معطيات مختلفة، كلياً، عما ساد عشية الاغتيال، هو طرف آخر، غير كل أولئك  الذين حاول التسييس، والغوغائية، إياها، أن يصدر حكمه عليهم، وقبل أن تنجلي غبار التفجير ذاته، ليبقى السؤال الكبير، بعد توالي سلسلة الانكشافات الكبرى، تلك، وهذه، من الذي قتل الحريري، إذن؟

ايلاف
(97)    هل أعجبتك المقالة (98)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي