أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رقاويون في بلاد اللجوء بين رغبة العودة ومخاوف عدم الاستقرار

قدّرت الأمم المتحدة أن 80 في المئة من مساحة الرّقة باتت غير قابلة للسكن - جيتي

بعد أن أعلن عن هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" في الرَّقة رسميا، أكدت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أنَّ الكثير من المدنيين غير قادرين على العودة، في الوقت الحالي، لحين انتهاء عمليات التمشيط والألغام في المدينة، حيث لجأ التنظيم إلى زراعة الألغام بشكلٍ كثيف في مناطق سيطرته التي تعرضت لهجوم من خصومه لإعاقة تقدمهم.

وتتوقع الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أن يتطلب تنظيف الرّقة وإعادة إعمارها جهوداً ضخمة، وشهوراً عدّة قبل أن تعود الحياة إليها، لكن فرحة بعض أهالي الرّقة بـ"الانتصار" على التنظيم دفعتهم لدعوة أهلهم اللاجئين العودة إلى الوطن من أجل المساهمة بإعادة إعمارها.

يقول اللاجئ السوري "مهدي النايف" الذي يقيم في ألمانيا- لــ"زمان الوصل": "اتصلت بوالدي بعد تحرير الرّقة من التنظيم للاطمئنان على أوضاع أسرتي، فطلب مني، فرِحاً العودة للرّقة لكي يسهم في إعادة إعمارها".

ويضيف: "لو لم أكن متزوجاً لعدت للرّقة فور السماح للمدنيين بدخولها، لكن بسبب عائلتي فإنني لن أعود إليها إلا عندما يستقر الوضع الأمني تماماً وتتوافر جميع الخدمات فيها".

*الدمار الكبير
ويضيف "نجم سليمان" المقيم في السويد، في مدينة "غوتنبرغ": "أنَّ الدمار صار يعمّ مدينة الرّقة بالكامل ما يجعل من الصعب التعرّف على معالمها، لكن من الممكن تحديد بعض الأماكن من خلال لافتة تشير إلى عيادة طبيب أطفال، أو بقايا قماش وآلات حياكة في متجر.

وعلى الرغم من ذلك فإنَّ العودة إليها في ظل هذه الظروف والوقائع التي شاهدنا من خلال متابعاتنا لنشرات الأخبار، أو من خلال ما يترصده الإعلاميون فإنه من الصعب جداً التفكير في العودة إليها وهي على هذه الحالة. خسرنا الكثير مما نملك، ناهيك بفقداننا العديد من الأقارب والأصدقاء. الموتى بالجملة، وما نتمناه هو أن تعود الحياة إلى الرّقة بعد خلاصها من العصابات المجرمة.

ويقول الحقوقي "محمد الناصر" الذي يبلغ 27 عاماً ويعيش في مدينة "بايرن ميونيخ" أن والده أخبر بأنه سيعود بعد أن ينهي دراسة الماجستير إن استقرت الأوضاع في المدينة، ويتابع: "أرغب بالعودة، لكنني أعتقد أنه من الأفضل الآن أن أنهي دراسة الماجستير في جامعة ميونيخ، ولحينها قد تكون الأوضاع قد أصبحت أفضل"، مشيراً إلى أنه بالرغم من فرحته، بـ"تحرير" الرّقة من التنظيم، إلا أن تلك الفرحة ممزوجة بالحزن على الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة.

وقدّرت الأمم المتحدة أن 80 في المئة من مساحة الرّقة باتت غير قابلة للسكن. وتعاني المدينة حالياً من غياب كامل للبنية التحتية الأساسية. في الأحياء الواقعة على أطراف المدينة، والتي تمت استعادتها في بداية الهجوم ضد تنظيم "الدولة" الذي بدأ منذ أشهر طويلة، منازل مدمرة وأخرى انهار سقفها أو خلعت أبوابها. بعض تلك السقوف انهارت على مدنيين لتكون سبباً في موتهم، مثلما حصل مع والدي اللاجئ السوري "خليل محمود" الذي يعيش في مدينة "منشن غلادباخ" الألمانية منذ ثلاث سنوات.

يقول "خليل"، الذي يبلغ 28 عاماً، إن والديه اللذين كانا في الرّقة ماتا قبل حوالي شهر ونصف مع 13 آخرين نتيجة سقوط سقف أحد المباني عليهم.

ويتابع: "الفرحة بتحرير الرّقة من لم تستطع أن تزيل من قلبي ألمي بفقدان والديّ".

*فقدان الأمان
ويؤكّد "محمود" أنه لن يعود للرّقة أبداً حتى ولو استقرت الأوضاع فيها، ويتابع: "لم يعد هناك ما يربطني بالرّقة بعد رحيل أمي وأبي، لن أعود كيلا أرى المكان الذي ماتا فيه، كيلا أرى بيتنا الذي كانا فيه".

أما "زياد خطاب"، وهو لاجئ سوري مقيم في مدينة "فيينا" النمساوية، منذ حوالي ثلاث سنوات، فقال: "بصراحة المعاناة التي حلّت بسوريا هي أكبر من أن توصف". وأضاف: "ما وجدناه هنا في النمسا مذهل. فقد تم احتضان الكثير من اللاجئين، ومنذ اللحظات الأولى للجوء، وساهمت الحكومة ما بوسعها من أجل راحة كافة اللاجئين، وهذا ما يمكن أن نعجز عن شكره.

وأرى أنه من الأفضل البقاء فيها لاسيما أن القانون في النمسا يحترم الأشخاص بغض النظر عن دياناتهم أو جنسياتهم. القانون فوق الجميع، وليس هناك فرق بين عمر أو زيد من الناس، أما مسألة العودة إلى سوريا فهي ضرورة لا بد منها، ولكن في حال عودة الحياة الطبيعية إليها، وهذا أملنا".

ويضيف اللاجئ "محمد العلكان" المقيم في ألمانيا في مدينة "غوتينغن": "إننا بعد مرور الفترة التي قضيناها في ألمانيا، فإنه لا بد من العودة إلى الوطن في حال استقرت الأوضاع الأمنية هناك وعادت الحياة إلى طبيعتها، كما كانت عليها قبل اندلاع الثورة التي أتت على كل شيء، ما يعني دمار وتخريب الرّقة الموطن الأساس.

أما اللاجئ "عبد الرحمن الأحمد" فأكد أنه يريد الاستقرار في النمسا كي يعيش أبناؤه في المستقبل حياة هانئة، ويقول: "أنا أعيش هنا منذ عامين ونيّف، وقد استقرت أوضاعي هنا، لكن إن عدت للرّقة فإنني أحتاج لسنوات حتى أصل إلى هذا الاستقرار".

ويشير اللاجئ "بشار النجرس" المقيم في "فيينا"، هناك العديد من اللاجئين الذين يرغبون في العودة إلى الرّقة فور انتهاء عمليات التمشيط وإزالة الألغام، ويتابع: "بعض أصدقائي في تركيا أخبروني أنهم سيعودون في أقرب وقتٍ ممكن".

ويوافقه في الرأي اللاجئ السوري "زيد الحسن" المقيم في مدينة "عينتاب" التركية الذي قال: "إنّ الكثير من أهل الرّقة اللاجئون في تركيا سيعودون إليها في حال استقرار الأوضاع".

وتابع: "أتوق للعودة إلى بلدي، لكن هذا صعب في حال كان الأمان مفقوداً وسبل المعيشة صعبة".

*التجنيد الإجباري
ويقول الصحافي "إبراهيم العبد الله" الذي لجأ إلى تركيا في مدينة "أقجة قلعة" منذ أكثر من ثلاث سنوات إنه، وبالرغم من أن الخطر الأكبر المتمثل بسيطرة التنظيم على المدينة، إلاّ أنّ الخطر مازال قائماً برأيه، ويتابع: "إحدى تلك المخاوف هي وجود خلايا نائمة للتنظيم في المدينة، وثانيها هي عمليات التجنيد الإجباري التي من الممكن أن تنفّذها ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما منه يتخوف الكثير من الشباب".

وبالرغم من تلك المخاوف فإنَّ اللاجئ الشاب "أحمد السفّان" المقيم في مدينة "اسطنبول" يؤكّد أنه يريد العودة لمدينته، ولا يريد الاستقرار في تركيا، وعن السبب يقول: "في تركيا يوجد إرهاق نفسي، ومشاكل مادية، والناس بطبيعتها عاطفية وتحب بلدها، أضف إلى العمل المتوافر فيها صعب جداً ودخله ضعيف رغم ساعات العمل الطويلة التي نقضيها في أماكن العمل والمتاجر التي يضطر السوريون إلى الالتحاق بها بسبب الحاجة الملحّة".

وكان عشرات آلاف المدنيين قد فروا من مدينة الرّقة هرباً من المعارك الضارية التي شهدتها، وخلت المدينة تدريجياً من سكانها لتصبح فارغة تماماً منهم لحظة سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" عليها.

وأخيراً، نقول إنه لا يمكن أن يتمكن المدنيون من العودة إلى الرّقة إلا بعد أشهر مُبعدة بسبب الألغام المصنَّعة يدوياً، وغياب الواقع الخدمي والصحي بصورةٍ عامة، ما يجعل الأهالي بين مد وجزر، وتخوّف مستمر بسبب حوادث القتل والسلب التي لا تزال تؤرّق الراغبين في العودة إلى الرّقة والعيش بأمان!

زمان الوصل
(111)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي