أولاً وقبل كل شيء، أريد أن يكون واضحاً أنني لا أقصد بهذا العنوان شخصاً بعينه، ولا أعني بكلمة رئيس،الاسم المشتق من فعل رأس، بل نتحدث هنا عن كل مسؤول لا نعرف عنوانه.
عندما أتجول في المسياح (الانترنت)، بين المواقع العربية والأجنبية الخاصة بالأخبار ونشر المعلومات، ألاحظ، أول ما ألاحظ، وجود عناوين المسؤولين الغرب الإلكترونية. هكذا ببساطة ووضوح، وكلها تعمل، أريد أن أقول أنها ليست خلّبية ولا وهمية.
لما وصلنا إلى فرنسا في أواسط التسعينيات، واجهتنا مشكلة نحن الطلبة السوريين تمثلت، في منع سلطات الهجرة الفرنسية بالسماح لنا باستقدام زوجاتنا. في البداية لم نعرف كيف نتصرف على وجه التحديد أو لمن نلجأ بالضبط لحل المشكلة، بلغة أخرى لم نعرف من هو المسؤول الذي "سنرشيه" أو ندعوه على الغداء، أو نعطيه "تنكة زيت زيتون أصلي" حتى يسمع مشكلتنا. وفي أول سؤال وجهناه لمكتب العلاقات مع الطلبة الأجانب حول تلك المشكلة أشار علينا بمخاطبة وزير الخارجية الفرنسية ورئيس الجمهورية. ولا أخفي أننا ارتجفنا قليلاً من فكرة مراسلة رئيس الجمهورية، بيد أن التشجيع الذي تلقيناه من المكتب دفعنا إلى مخاطبة وزير التربية ووزير الخارجية والداخلية أيضاً بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي نفسه. ولم نكد نصدق عندما رد علينا هؤلاء المسؤولون جميعهم ببريد رسمي وصل غرفنا الجامعية ومن تحت الباب أيضاً. بعض تلك الرسائل طالبنا بمعلومات إضافية حول المشكلة وبعضها اعتذر بأدب لأن المسألة ليست من اختصاصه.
لا مصلحة لي في هذا المقال أن أكمل لكم حكاية الزوجات وكيف انتهت، ولكن الشاهد في قصتي هذه كيف أننا استطعنا مراسلة "الإليزيه" دون أية عقبات أو صعوبات. ليس فحسب، لما ثارت الضجة حول مسألة حظر الحجاب في المدارس الفرنسية، أرسلت منظمات حقوق الإنسان وبعض الجمعيات وكذلك بعض الأفراد بصفتهم الشخصية رسائل إلكترونية للرئيس الفرنسي تعترض على ذلك القرار، أو تتساءل حوله، وقام مكتب الرئيس، والرئيس نفسه في بعض الأحوال بالرد على كثير من تلك الرسائل وبمنتهى البساطة.
لا يظننّ أحد أنني أدافع عن ظلم الغرب باسم الديمقراطية، ولكنني أود أن أؤكد مرة أخرى أنني أتكلم حصراً عن سهولة الاتصال بالمسؤول ودون قيود.
لما فاز "نيكولا ساركوزي" في الانتخابات الفرنسية، أول شئ وضع على شاشة إحدى المحطات الفرنسية، هو عنوانه الإلكتروني. ليتصل الناس به مهنئين أو غاضبين لا يهم ولكن الناس يستطيعون أن يوصلوا أفكارهم إليه وبشكل مباشر.
وهكذا غالبية رؤساء ومسؤولي دول العالم، ما أسهل أن تتصل بهم بل وتسبهم في صندوق بريدهم الإلكتروني، ويقوم بعضهم بالرد على كل الرسائل الواردة، ويسعون ألا يهملوا منها رسالة واحدة. حتى أن الرئيس الإيراني نجاد، يخصص وقتاً للإطلاع على الرسائل الواردة ويرد على بعضها ويستفيد من بعضها الآخر. وهذا هو الطبيعي، فما كان المسؤول إلهاً ولا نبياً مرسلاً حتى لا يخطئ أولا يقبل النصيحة من غيره.
وبنظرة بسيطة للأمور ودون كثير حكمة، فإن المسؤول هو المستفيد من وضع عنوانه الإلكتروني أمام الشعب وبكل شفافية، على الأقل لكي تصله رسائل شعبه أو من تقع مسؤوليتهم عليه دون واسطة ولا حواجز ولا تغيير أو تجميل. وهذا يوفر للمسؤول أو الرئيس فرصة ثمينة يعرف من خلالها حاجات شعبه، ويعرف بصدق من يحبه ومن لا يحبه، ويعرف لماذا لا يحبه هذا أو يحبه ذاك. أ ليس هذا خير من "المكياج" الذي يستقبل المسؤول من خلاله آراء الناس حوله.
ولا يعرف صدق الناس من مداهنتهم في هذه المسألة الحساسة. وبهذه الطريقة أيضاً يعرف المسؤول، والرئيس خاصة ماهية المشكلات التي تعاني منها الجماهير وبشكل مباشر. وأهم من ذلك كله فإن رئيس البلاد يعرف ماذا يفعل وزراؤه ونوابه وحجّابه، لأن مواطناً ظلمه الوزير سيكتب مباشرة لرئيس الجمهورية أو ملك المملكة دون حواجز وسيبثه أحزانه ومشكلاته بصدق وحرارة.
لا يقولنّ أحدكم أن الملك أو الرئيس أو المسؤول ليس لديه الوقت الكافي للرد على كل الاستفسارات والأسئلة والمشكلات ..الخ. فلا عمل للجالس على كرسي المسؤولية إلا هذا. ومهمته أن يتصل بشعبه وأن يطلع على كل مشكلة رجل فيهم وأن يعرف سبب بكاء كل أم أو طفل صغير. وقد قال عمر في خلافته، "والله لو أن شاة هلكت ضياعاً في شاطئ الفرات لخفت أن أسأل عنها يوم القيامة". ولا أظن أن إيران مثلاً دولة صغيرة ولا فرنسا ولا أمريكا ولا كندا، أدخل الآن إلى موقع "كيبك" وأرسل رسالة إلكترونية إلى حاكمها وانتظر الرد بعد عدة أيام. وبكل حال، فإن الحاكم لن يعدم وسيلة للاطلاع على كل شاردة وواردة في بلاده.
عندما كنت طالباً في قسم الصحافة في جامعة دمشق، "أكل" أحد الأساتذة حقي في مادة ما، وكان ذلك واضحاً لكل الطلاب، فتقدمت باعتراض للحصول على علامتي التي أستحقها، ولكن" ناديت لو أسمعت حياً" فتوجهت إلى وزارة التعليم العالي وأنا صاحب حق، فلم يستقبلني ولا حتى موظف صغير، والجملة التي على لسانهم أتريد أن تقابل الوزير!! أ تمزح أم تهزأ. فتنازلت وتركت مقابلة الوزير وذهبت إلى رئيس الجامعة، وكانت الحال أسوأ مما عليه في الوزارة إلا أن التفسير اختلف، إذا قالت لي السيدة الجميلة أمام مكتب رئيس الجامعة، افترض أنك جندي هل تستطيع أن تقابل القائد الأعلى للجيوش، طبعاً الجواب كما قالت لا، وأنت الآن طالب وهذا رئيس الجامعة فلا مجال لمقابلته، وأذكر أنها اقترحت علي مقابلة سائق رئيس الجامعة لعله يوصل طلبي إلى "إله الجامعة".
تنازلت مرة أخرى وقررت أن أقابل عميد الكلية، وتكلمت مع الجميلة أمام مكتبه، فقالت أتريد أن تقابل العميد، هكذا "خبطة واحدة"، قلت لها يا آنسة أنا أقف بين يدي الله العظيم كل يوم خمس مرات، ما يغلق بابه في وجهي بل عساه يحبني أكثر بعد كل مقابلة. فاستغربَتْ هذا الكلام وطلبت مني أن أكتفي إذاً بمقابلة الله فلا حاجة للعميد. مرة أخرى لا أريد أن أصدّع رؤوسكم بقصة المادة التي سرقها ذلك الأستاذ. ولكنني أردت أن نرى جميعاً كيف يتصرف كثير من مسؤولي في بلادنا العربية كلها لا فرق بين شرق وغرب أو شمال وجنوب.
إنني لا أكره المسؤولين العرب البتة، ولا أتمنى لهم إلا خيراً، ولكنني حزين أن يكونوا متقوقعين في مخادعهم وعلى عروشهم العاجية، يسمعون أخبار وهموم مواطنيهم من الآخرين. لن ينتشر الحب بين الناس إلا إذا كان المسؤول مواطناً من الشعب يحس به ويخاف عليه ويخاف الله فيه.
ليس هناك وصفة أجمل من وصفة عمر رضي الله عنه، قال له صاحب كسرى، أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها.
قبل أيام رأيت مقالات جذابة لمسؤول عربي في صحيفة الحقائق الساحرة، فأردت أن أتصل بهذا المسؤول لأهنئه على تلك المقالات، ولكن عبثاً حاولت، فكل الكتاب يضعون عناوينهم الإلكترونية إلا المسؤولين منهم، ولكنني لم أصدق ذلك فقد دخلت إلى صفحات الكتاب في أكثر من عشرة مواقع، فوجدتهم يضعون طرق الاتصال بهم، إلا السيد الوزير، والسيد الرئيس والسيد الأمير، يكتب اسمه وصفته وانتهى. حزنت منهم وعليهم في آن معاً. لماذا يحجزون أنفسهم وراء النوافذ السوداء، ويعزلون أنفسهم عن مواطنيهم. مع أنهم في غالب الأحوال أقل شهرة من الكتاب والإعلاميين عشرات المرات.
لقد أحب الناس بفطرتهم القريبَ المتواضع وكرهوا البعيد المتعالي وهذه طبيعة البشر، أدخل عزيزي القارئ إلى موقع الدكتور فيصل القاسم على سبيل المثال واتصل به بالهاتف أو راسله بالعنوان الإلكتروني، ليس هناك مشكلة وسيرد عليك، وفيصل أشهر من نصف القادة العرب. افعل ذلك مع الشاعر الأستاذ أيمن اللبدي" مالك ناصية اللغة" أو مع إبراهيم الحمامي، ستجد كل رحابة صدر في التعامل ولكن لا تفعل ذلك مع المسؤولين العرب، فإنك لن تجد العنوان من أصله، وإن وجدته فراسلتَ فإنا لا نضمن لك حسن العاقبة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية