لا يزال الكثيرون من المعارضين السوريين ممن تم اعتقالهم في فترة الثمانينات في سجون النظام يتذكرون جملة قضائية غريبة اعتاد القضاة العسكريون إملاءها على كتبة المحاكم وهي "النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة"، وهي الجملة التي حيّرت علماء اللغة والسياسة، إضافة إلى فقهاء القانون وخبرائه في العالم كله.
وأعادت رئيسة النيابة العامة المختصة بجرائم المعلوماتية التابعة للنظام "هبة سيفو" اجترارها مؤخراً، رغم أنها باتت بلا معنى أو مضمون مع كمية الإهانات والوهن الذي طال رأس نظام الأسد حتى من أقرب داعميه.
وقوبل كلام "سيفو" بهذا الخصوص بموجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي في أوساط المعارضين والموالين على حد سواء بين متسائل "ما هي الأمة" وما معنى "وهن وإضعاف الأمة" و"إضعاف الشعور القومي"، وما مغزى طرح هذا القانون البائد الذي يتنافى مع مواد الدستور السوري ومع القانون ذاته الذي يحث على حرية الرأي والتعبير.
وأشار الأمين العام لـ"تجمع العدالة السوري" القاضي "محمد نور حميدي" في حديث لـ"زمان الوصل" إلى أن آخر من يحق له التحدث عن الهيبة هو رأس النظام الذي باع الأرض والسماء والمياه ولم يبقِ للسوريين في سوريا أي شيء من مقدراتهم الوطنية، مضيفاً أن "من تم شحنه بطائرة شحن للبضائع من سوريا إلى موسكو وإلى إيران كي لا يتم استهدافه لا يحق له أن يحرم مواطناً من حق التعبير عما يريد قوله أو بما يفكر به، وهو الحق الذي يُفترض أن القانون والتشريع السوري منحاه إياه.
وأردف أين هذا الجرم أو الإهانة لهيبة الدولة مما يفعله رأس النظام أو ما تفعله الدول بسوريا، وتابع القاضي الذي انشق عن النظام منذ بداية الثورة: "كيف يمكن أن نقارن بين كلمة أو حديث يقال عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخرق الطائرات الإسرائيلية وطائرات التحالف بما فيها الأمريكية للأجواء السورية دون أن يحرك هذا النظام الذي يدعي الحفاظ على هيبة الدولة ساكناً، ويدخل رئيس دولة أخرى الأراضي السورية دون علم رأس النظام ويطلبه للاجتماع ويتركه بمفرده، فيما بدا منشغلاً بالحديث مع معاونيه، دون أدنى اعتبار.
وعبّر "حميدي" عن اعتقاده بأن صدور هذا القانون المخالف لنص القانون والدستور في هذا التوقيت، الغاية منه إسكات كل الأصوات التي تطالب بالحرية وتحسين الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية وخاصة بعد موجة الغلاء التي اجتاحت مناطق النظام، ودفعت بأعتى مؤيديه للتعبير عن احتجاجهم وانتقاد التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي يعيشه السوريون الخاضعون لسيطرة النظام.
ونوّه محدثنا إلى أن المادة 12 من قانون الإعلام السوري حظر "حظر نشر أي محتوى من شأنه المساس بالوحدة الوطنية والأمن الوطني أو الإساءة للديانات السماوية والمعتقدات الدينية إذا أثارت النعرات الطائفية والمذهبية".
واستدرك "حميدي": "كيف يمكن إصدار قانون يتعارض مع الدستور وكيف يمكن إعطاء الحرية لشخص أو مواطن بموجب أحكام الدستور ثم انتزاعها منه بموجب قانون آخر، إذ تنص المادة الثانية على أن "لكل مواطن الحق في أن يعبّر عن رأيه بحرية وعلنية في القول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة".
وأكد محدثنا أن النظام "يريد بهذه الطريقة من الخلط والتشويش وكم الأفواه والحد من نشر أي أخبار تنال من هيبته سواء كانت حقيقية أوغير حقيقية، والمفارقة -حسب المصدر- أن عقوبة نشر الأخبار التي من شأنها وهن نفسية الأمة الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة من 3 سنوات إلى 15 سنة بينما يُعاقب من يحسب أن هذه الأخبار صحيحة بالحبس ثلاثة أشهر على أكثر تقدير.
وبدوره لفت عضو فرع نقابة المحامين الأحرار بادلب المحامي "عبد الله العلي" لـ"زمان الوصل" إلى أن هذا القانون التعسفي يخالف حتى الدستور السوري الذي تمت صياغته لكي يناسب النظام، لأن الدستور كفل حق الحريات والرأي وحرية التعبير.
وأعرب محدثنا عن اعتقاده بأن توقيت طرح هذا القانون القديم الجديد يأتي لإسكات الشعب السوري الذي يعرف أن سوريا أصبحت محتلة وأن حكومتها المرتهنة لم تعد تملك من السيادة شيئاً.
وتم إصدار ما يُعرف بـ"قانون الهيبة" لإرعاب الناس بمزيد من الإرهاب النفسي والفكري، وخصوصاً بعد نشر صور ومقاطع فيديو تظهر بشار الأسد كذليل عند الروس، لذلك استبق النظام تداول هذه الأمور، وأصدر هذا القانون لكي لا يناقش أحد ما يحصل في سوريا من إذلال وقلة هيبة.
ولفت "العلي" إلى أن نقابة "المحامين الأحرار" في إدلب أصدرت بياناً نددت فيه بمثل هذه القوانين الصادرة عن سلطة غير شرعية وعدم الاعتراف بها، وناشدت النقابة كما يقول، المنظمات الدولية وخاصة القانونية والحقوقية التحرك السريع ضد هذه القوانين التي أرهقت المواطن السوري وكانت سبباً في اندلاع ثورتنا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية