في الفيلم العربي "آه يا بلد آه" (إنتاج عام 1986) يسافر البطل "مجدي" إلى قرية نائية حملت اسم "عزبة الباشا" فى البر بين فرعي نهر النيل شمال مصر لبيع قطعة الأرض ورثها وإخوته عن والدهم، لكن الحاج "رضوان" المتنفذ الوحيد بالقرية يظن أنه من رجال "المخابرات فيدعوه لوليمة ثم يستعرض معه صورا له ولوالده مع الملك ثم مع الضباط الأحرار الذين انقلبوا على الملكية.
وشرع يشرح لهم كيف كان أمين الاتحاد القومي عام 1960 ثم تحوله إلى أمين "الاتحاد الاشتراكي" في المنطقة ثم أمسى رئيسا للجمعية، فقاطعه "مجدي" ويمثل دوره الفنان "حسين فهمي"، متسائلا عن سبب وجود صفحات خالية في ألبوم الصور، فأجاب الرجل المتنفذ إنها محجوزة لأخذ صور مع المسيطر الجديد.
شخصية الحاج "رضوان"، التي جسدها الفنان المصري "أنور إسماعيل"، تنطبق بشكل كبير على شخصيات كثيرة أطلق على تلك الفئة اسم "الضفادع" جنوب ووسط سوريا، فيما تجلت بوضوح شرق سوريا ببعض شيوخ عشائر الجزيرة، كانت متنفذة خلال حكم آل الأسد، ومازالت متنفذة حتى الآن بسبب استعدادها الدائم لتقديم الخدمات للقادم المنتصر وسرعة انقلابها على المنسحب المنهزم بغض النظر عن مشروعه ومدى وطنيته ومن عدمها، ما دام ذلك يحافظ لهذه الشخصيات على نفوذها ومصالحها.
ويمكن للمتتبع بيانات ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) العثور على أسماء لشخصيات من وجهاء العشائر أو من أصحاب الأموال كانت لها علاقات قوية بتنظيم "الدولة الإسلامية"، ولعبت دورا في التواصل بين التنظيم والسكان، باتت تلعب اليوم الدور ذاته لدى الإدارة الذاتية الكردية بعد سيطرة "قسد" مباشرة على مناطق الجزيرة دون تردد، ومؤخرا بدات تمهد للعودة إلى حضن "الوطن".
فكانوا –أي تلك الشخصيات- أهدافا لعمليات التنظيم ضمن خلف خطوط "قسد" في دير الزور والرقة والحسكة، فقتل عدد كبير منهم بعد اختطافه أو بهجوم مباشر بالرصاص والعبوات الناسفة، وآخر هذه العمليات استهدفت رئيس مجلس ناحية "العريشة" في الإدارة الكردية "حمود علي الساير"، الذي خطف مع سيارته في قرية "العطالة" شمال مدينة "الشدادي" ليتم العثور على جثته مع عدد من زملائه قرب منطقة "بئر جويف" على الحدود الإدارية بين الحسكة ودير الزور.
وذكرت مصادر موالية لنظام الأسد إن العشرات من الموالين للنظام ولحزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD) تلقوا تهديدات بالتصفية من خلايا التنظيم في المنطقة جنوب الحسكة، حيث أقدم نحو 25 شخصا يعملون في مجالس "الكومينات" التابعة للإدارة الكردية على تقديم استقالتهم وتسليم الأختام إلى مجلس "بلدية الشعب" بعد أقل من أسبوع على اغتيال رئيس مجلس العريشة مطلع العام الجاري.
هذا عدا عن وقوع هؤلاء المتقلبين، في حيرة من أمرهم بعد بدء المفاوضات بين (PYD) والنظام في دمشق وأخذوا يستعدون للوضع الجديد، توقعا منهم بعودة النظام بالقريب العاجل للسيطرة على المنطقة عقب انسحاب محتمل للقوات الأمريكية من سوريا أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية العام المنصرم.
يبدو أن الوضع السياسي والعسكري المعقد لمنطقة الجزيرة بعد تدخل الكثير من القوى الدولية والإقليمية لتحديد مصيرها، بعد أن ساهمت في تدمير معظم بناها التحتية، جعل الرؤية غير واضحة لدى "المتقلبين"، خاصة مع معايشتهم لحالة القلق ضمن صفوف قادة الإدارة الكردية بعد عزم تركيا التدخل عسكريا للقضاء على مسلحي (PYD)، وخوض أنقرة صراعا دبلوماسيا للوصول إلى صيغة تفاهم مع واشنطن وموسكو بشأن منطقة الجزيرة.
ويبقى مصير المنطقة، مفتوحا على احتمالات عديدة، منها وقوع شمال الجزيرة تحت نفوذ تركي مع خضوع الجزء المتبقي لنفوذ قوات التحالف وانسحاب الأمريكان نحو العراق لمراقبة التحركات الإيرانية، أو إنشاء تحالف دولي جديد لإدارة المناطق المنتزعة من يد تنظيم "الدولة".
محمد الحسين - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية