قد يكون خطاب بشار الأسد بالأمس هو الثاني من نوعه الذي يلقيه ورسالته الأهم موجهة للداخل، بعد الخطاب الذي ألقاه أمام جمع من "المشايخ" حين لقنهم درسا عن التاريخ الأموي، أما بقية الخطابات فكانت رسائلها الأهم موجهة للخارج بعمومه وللغرب بشكل خاص بما يخدم مصلحة استمراره وربما وصوله إلى هذه المرحلة.
بمعزل عن النكات التي تناولت الخطاب وتركيزها على جوقة المصفقين، ولا جديد في ذلك، فهذا هو الحال منذ الخطاب الأول له "خطاب الضحكات البلهاء" في آذار 2011، وبطبيعة الحال منذ ما قبل ذلك. بعيدا عن هذا يمكن ملاحظة اللهجة الحادة التي وجهها لمن خرج عبر وسائل التواصل الاجتماعي متذمرا من سوء الأوضاع المعيشية، وهذه اللهجة لمن يعرف حقيقة الوضع السوري تترجم أمنيا بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الانتقاد، وأعتقد أنه بعد هذا الخطاب لن نرى تكرارا للنماذج "المنتقدة" التي طفت على سطح وسائل التواصل في الداخل، فالرسالة وصلتهم، ويعلمون أن التمييز بين "حسن النية" و"سيء النية" التي لطّف بها بشار لهجته مجرد ذر للرماد في العيون، وما إشارته لما أسماه فوضى وسائل التواصل واختراقها واستخدامها "لزعزعة" استقراره إلا مؤشر واضح إلى أن ما من هامش مسموح به لأي تعبير خارج عن السياق، فما هو مطلوب ليس الصمت، بل التأييد المطلق لأي حالة يرضى عنها، ضمن قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، وهذه كانت رسالته الأولى في خطابه الأول.. "خطاب الضحكات البلهاء".
وربما يأتي ذلك في سياق تجهيز الداخل لأزمات معيشية جديدة، قد تزداد حدتها بفعل العقوبات الأخيرة التي أعلنتها الولايات المتحدة فضلا عن العقوبات المفروضة على إيران، وبالتالي عليه أن يلوح بالعصا لكل من تسول نفسه "التأفف" مستقبلا، وهذا ما هو مهم بالنسبة له على اعتبار أن الغرب أمريكيا وأوروبيا يبدو أنه أعطاه فرصة البقاء في الحكم فترة أطول مع الإبقاء على حالة العزل وشبه الحصار، ريثما يتم التوصل إلى تسوية بتوافق دولي يطوي الملف السوري برمته.
لا جديد في بقية المحاور الأخرى التي تناولها في حديثه، بل جاءت في سياقها المنطقي، فهو لا يريد فضلا عن أنه لا يملك القرار، التعاطي مع المعارضة بغير المنطق الذي استخدمه، ففي الوقت الذي يصف المعارضة، كل المعارضة، بالمرتزقة، ويكيل لها الشتائم، يعلم أن دولا كبرى وإقليمية على وشك إنجاز اللجنة الدستورية ومهمتها إنجاز أو إصلاح "الدستور السوري" وثلث هذه اللجنة هي من الذين وصفهم بالخيانة والارتزاق وغيرها من الكلمات القبيحة.
أما الجزء المتعلق بالأتراك، والرئيس اردوغان، فاستهدافه، كلاميا، من قبل بشار الأسد لا يزعج الروس، ولا يغضب الأمريكان، ولا يهز تركيا، بل لعله أعطى إشارة واضحة بأن تركيا ما زالت تقف مع المعارضة وربما مع الثورة السورية.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية