الخطوة الأولي..
وتنهار المسافات بيننا وتتراكم الرمال والصخور في الطريق للوصول إليك. احفر المسارات وتسيل الدماء من أصابعي علي الصخور وأجاهد انفض عني كل شيء تتجمع قوة إرادتي. كي انجح أخيرا في رؤيتك أمامي
الخطوة الثانية..
اقترب منك أكثر مما ينبغي ثم أبدا في الالتصاق بك. اشعر أن توتري قد خف. وان كل شيء يستريح وان الدم يصعد فيملاء خلاياي المليئة بالخوف والضجيج أصلا..واهدأ تماما.منذ سنين لم تنغلق رموشي الآن تغطيها الهالات السوداء وهي ناعسة في أحضان أمانك.
التراجع الأول ...
تزيحني من غطاء صدرك والتباس كتفيك العريضين علي الأرض ترميني يا أبى، بيدين قاسيتين من حفير الزمان من رياح الأمس بعروق مشدودة اعلي الكف مليئة بالدم ووجه مُلبد بالتجاعيد وبالحفر الصغيرة .غائما كأنها ستمطر تلقيني بعيدا عنك، تلعن نفسك وتلعنني ألاف الأمتار
تقول هكذا يكون الرجال أذهب وانزاح من أمامي
أمامك كنت أقف مهزوما أسالك ماذا بك ؟
أسالك وأنا في عز البرد عن الدفء ؟
أسالك ألاف الأسئلة بلا أية أجوبة تحتوى صمتي وأنت تُسلط عينيك في الأرض تقذف تفلة كبيرة لا أفهم كل معناها لكني اعرف شفتيك المرتعشتين، يداك المتصلبتان علي العكاز وأنت واقف في همجية البدوي. بشرتك مليئة بالغيظ المكتوم وإشارات الغضب والحنق بادية عليك.
التراجع الثاني ...
يقام الجدار بيني وبينك اركب مركبة للفضاء البعيد. أغنيات أطلقها للمدى المتسع لرحابة الصوت واهتزاز الأعماق الخاوية من بعض حنانك مملوءة بكامل قسوتك وخالص براءتي في زمن لا يعرف البراءة كما قلت لي ذات يوم.هكذا رأي
كنت أنزف حصاد زراعتك من الكلمات التي قلتها لي عنها وزهور كنت تعلمتها في سنيني الأولي مع حروف الأبجدية وأيان القرآن وأسباب الحملة الفرنسية علي مصر ونتائجها وأشياء أخري كثيرة
كنت أرمي كل ذلك، كل ذلك أرميه بعيدا عني أعانق في ضجر سخونة الرمال ولهيب الصحراء لما يطاردني صوتك الأجش من بعيد. كان وجهك الدبلان مرتعشا مليء بالصفرة والألم الذي تخفيه أمد يدي إليك في حذر، كي أحضن للمرة الأخيرة دفء أصابعك قبل الرحيل كنت أود أن ارتمي في أحضانك التي أشعرها مليئة بالقسوة وبالجفا لكنني وقفت متحجرا مثلك. لم تفر ولو دمعة واحدة من حنانك الصافي أو من يتم ألمي العاجز فبقينا هكذا...........صامتين
رغم ارتجافك في عز البرد رغم حاجتي لصدرك الآن ورغم ارتعاشي وتوتري رغم أشيائك المليئة بالأمان إلا أنني لم اسمعها جميعا، فضلت أن انظر عليك من بعيد.بعد عدة خطوات من رحيلي وعيناك تبتعدان كي لا أري دمعة كانت تود التخلص من قبضتك الحديدية وقد نجحت في رؤيتها مليئة بالسخونة فوق خدك المحفور بالتجاعيد إلا أنني مع ذلك كنت صلبا علمتني القسوة كما علمتني الحنان.رفعت يدا مُتخمة بالتراب وألقيتها في عيني وقلت هكذا يكون الرجال .
التراجع الثالث...
ليس ما بيننا سوي هزئ من الكلمات وعناكب من الانفعالات. أقول..لا..
قلت لي: يجب أن تطيع..
- ويجب أن تسمع وأن تناقش أن تتفاهم وان تعرف أن تسمح وان تعطي أن تفعل وان تري أن ترفع وأن تجيب وأن تثق وأن.. يا أبي
انفصال حاد بلا كلمة واحدة أخيرة تطفيء لهيب الانفعالات.
الخطوة المبدئية...
أري لهفتك في أذني ،أشم رائحة صوتك المليء بالوجد وبالأسى من خلال الهاتف ،أحزن لأني لست معك أسالك عن الأحوال .. تقول بخير تسألني عن صحتي و أحوالي عن أخباري و نومي.. يقظتي.. وعملي..ومزاجي وعلاقاتي.. مشاكلي وأهاتي.. تنهداتي.. وأوقاتي..
وعن عمري الآن ؟
أشعر بقبضة يدك علي السماعة. وبلهفة صوتك في أعماقي أراه
الخطوة الثانية مكرر
... ألو .. ألو...... ليست المسافات بيننا وأنا اختزن الشوق إليك أختزن الحزن عليك لكني أثق أنك أبني أنك من تكويني، من صلبي، انك مثلي وأنت لا تغرق أبدا حتى ولو صار لك أعوام وأنت بعيد عني
كم تبقي لك ؟
......
موعد أجازتك متى ؟
.......
الخطوة الأولي مكرر ..
ليس أمامك أي خيار .. امسح عينيك من الرمال
وانفض عنك كل شيء. أنا في انتظار مجيئك والسلام .. أبوك
التراجع الأول مكرر ... أمي الغالية
تحية طيبة وبعد ..
..............................................
........................................
سلامي للجميع بلا استثناء
ابنك المخلص
أخيرا تنزف. تتبع نفس الخطوات وتبدأ من البداية. نفس التراجعات تبدأ تلاوة آيات حزنك تبدأ من الخط البياني( أ )وتسحب المسطرة الكبيرة. تحاول أن تقوم بتوصل الخطين.بيني وبينك.رغم مابينهما من تباعد كما قلت سابقا، حتى تصل للخط (ب) أشير لك بيدي وبها ارتعاش خفيف رغم انك لا تراها
اسمع: الخطوات الأولي بداية الخطوات الأخيرة تراجع والمسافة الفاصلة هي الحد الأدنى، بين ما يمكن أن يحدث بيننا. تقبض علي أنيابك بقوة وأنت تتحدث في الهاتف. أعتذر لك عن كل شيء لم أفعله وأقول أنني سمعت تسألني عن هذا الشرخ الذي بالجدار
أسألك عن العمر وأيامك القديمة وانهمار الأمطار. في قريتنا الحزينة وعنايتك بالزهور التي تحب وان الحديث ليس له معني في هذا الليل الداجي -ابدأ من البداوة وأعود بدويا كما أحب يا أبي. لا تسألني عن الاسم لأني اخترت اسما لا أعرفه
سلام...
اسمع ..تك.
الو.. الو. الو.. هكذا تخيلت أنه ينادي علي. وكان علي أن أمضي مستريحا إلي هذه النقطة. ومطمئنا إلي أنه ينتظر بجوار الهاتف.
من مجموعة ورد الشتاء
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية