صباح 29/ كانون الثاني/2013 استفاق سكان الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة المقاومة السورية في مدينة حلب على منظر مرعب لمئات الجثامين المتفسخة والمنتفخة ملقاة على أطراف "نهر قويق" قرب حديقة "القباقيب" بحي "بستان القصر".
وروى الناشط الإعلامي "عبيدة بعاج" أحد شهود العيان على المجزرة وممن ساهموا في انتشال ونقل الجثامين لـ"زمان الوصل" أنه كان يعمل في "القضاء الموحد بحلب" عندما أبلغه أحد أصدقائه بوجود جثامين مرمية على أطراف نهر قويق جانب جسر "السنديانة"، وتم تكليفه -كما يقول- بالذهاب إلى مدرسة بستان القصر، حيث نُقلت عشرات الجثامين لتوثيقها وكتابة ضبط.
وتابع المصدر أن "رائحة الجثامين كانت تملأ المكان وبدت الباحة مليئة بالدم والماء"، مضيفاً أن "حوالي 70 جثة كانت مكبلة الأيدي للأمام والخلف، منها بلاصق عريض، ومنها بحزامات بلاستيكية و95 بالمئة من الجثث أعدمت بطلقة بالفم، والباقي جميعهم بالرأس من الأمام.
وكان بين أصحاب الجثامين -كما يقول- نساء وكبار في السن وأطفالن لكن 80 % منهم شبان في أعمار تتراوح بين 20 و35 سنة تلقى أكثرهم طلقات في أفواههم وأعينهم، وكانت رؤوسهم فارغة من الرصاص المصوب إليها من قريب لتغيير معالم الجثامين على حد قوله.
وكشف محدثنا أن المحامي "أحمد الشبلي" من القضاء الموحد بحلب طلب منه حينها أن يقوم بعدّ الجثث، وبدأ بالسير جانبها لعدها، ومما أبكاه وجعله لا يستطيع إكمال العد -حسب قوله- منظر امرأة جاءت تبحث عن ابنها وزوجها وعندما رأت جثمان ابنها في الباحة ركضت إليها وعانقتها وهي تصرخ (يا روحي لاقيتك) فتوجه الناس لمساعدتها وسحبها وهي تقول "تركوني بدي لاقي جوزي"، وفعلاً -كما يروي- وجدت زوجها بعد لحظات مكبل اليدين ومفجر الرأس، وكان مشهداً مؤلماً للغاية، ولا يمكن وصفه بالكلمات وحينها -كما يقول- ترك المكان وعاد إلى منزله ولم يستطع عد الشهداء يومها.
وأكد "بعاج" أن كل الضحايا تم اعتقالهم من الحواجز كحاجز "المشارقة" على معبر "بستان القصر" بتهم المشاركة بالمظاهرات أو الانتماء للمقاومة السورية، وبعض الضحايا اعتُقلوا على الهوية لأنهم من منطقة "صلاح الدين" أو" بستان القصر" مثلاً.
وأكد محدثنا أن القناصة التابعين لقوات النظام والمتمركزين على أسطح المباني العالية المطلة على الحي حينها كانوا يعمدون إلى إعاقة عمليات البحث عن المزيد من الضحايا، ويقنصون كل من يقترب من الجثامين، حتى أن بعض ضحايا المجزرة لم تسلم من القنص.
وكان تقرير بعنوان "النهر إن حكى" للمعهد السوري للعدالة قد وثق بعد التحليل الجنائي لكافة الأدلة وتقاطعها مع الوقائع المادية، أن جهازيّ المخابرات العسكرية والمخابرات الجويّة إضافةً إلى ميليشيات موالية للأسد، والتي تتحكم بالحواجز الأمنية في مدينة حلب، كانت مسؤولة بشكل مباشر عن اعتقال وتعذيب المدنيين السوريّين على خلفية انتمائهم لمناطق حاضنة للثورة السورية في مدينة حلب.
وتقوم هذه الجهات بتعذيب المدنيين بشكل ممنهج وإعدامهم ميدانياً خارج القانون وإلقاء جثامينهم في "نهر قويق" للتخلّص منها، بطريقة مدروسة ومنظمة.
وبحسب المصدر ذاته فإن نظام الأسد ألقى بالجثامين ثم فتح المياه المخزنة سابقاً لتحمل الجثامين لعدة كيلومترات، فتصل إلى الأراضي التي يسيطر عليها الثوار. وفي محاولة لإيقاف طريقة إلقاء الجثامين هذه التي تقوم بها قوات الأسد، تم إغلاق تغذية مجرى النهر بتاريخ 9/3/2013 من منطقة سد" الشهباء" في ريف حلب الشمالي، وفعلاً خلال أيام انخفضت مياه النهر وتوقف وصول الجثامين.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية