أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل تضيع لحانا بين بوش وأوباما؟!! ... أ.د. محمد اسحق الريفي

كل شيء يتغير في عالمنا إلا الواقع العربي البائس، ولهذا اعتاد العرب على تعليق آمال كبيرة على التغيرات الخارجية في تغيير واقعهم السيئ وتحسين أحوالهم البائسة، مبدين قابلية كبيرة لطي صفحة الماضي ونسيان العدوان والانخداع بوعود كاذبة. أما الأنظمة العربية الحاكمة، فقد اعتاد معظمها على استغلال التغيرات الخارجية لذر الرماد في عيون الشعوب التي تسيطر عليها، وخداعها وتضليلها، لإبقاء حالة الجمود جاثمة على صدور تلك الشعوب، ولإطالة عمر تلك الأنظمة الحاكمة.

ولذلك ترى العرب مثلاً يأملون في تغيير سياسة النظام الصهيوني عبر انتخابات برلمانية تأتي بحكومة صهيونية مسالمة تحيي عملية (السلام) من جديد بعد موتها الأكيد، رغم أن الممارسات العدوانية الصهيونية على الأرض تبدد هذه الآمال تماماً ولا تدع مجالاً للشك حول النوايا والسياسات والمخططات الصهيونية، مهما اختلفت الحكومة الصهيونية. كما يأمل العرب أن تتغير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية والإسلامية عامة، والقضية الفلسطينية خاصة، عبر انتخاب رئيس أمريكي جديد يتعامل بعدل مع العرب والمسلمين...!!

إن مصيبة العرب، الحاكمين والمحكومين على حد سواء، تكمن في أنهم يبحثون عن مبررات لتقاعسهم وتخاذلهم في الدفاع عن قضايا الأمة، ولا سيما القضية الفلسطينية، ويحاولون إقناع أنفسهم بعجزهم عن تغيير الواقع البائس الذي تعيشه الأمة، ويعلنون للعالم بصراحة ووضوح عن قابليتهم للانخداع بمسلسل جديد من المراوغة السياسية والاستعداد للتعاطي مع وعود فارغة يكذبها الواقع والتاريخ والمواقف السياسية الأمريكية والصهيونية والغربية. فعندما سيطر اليمين الصهيوني المتطرف على الحكومة الصهيونية، بدأ الرسميون العرب يولولون ويبكون حظهم التعيس ويستنجدون بالبيت الأبيض، لإجبار نتنياهو وعصابته على القبول بالمبادرة العربية للسلام، الخرقة البالية التي يشهرها العرب في وجه الصهاينة ويردون بها على عدوانهم، وبحل الدولتين، التي يتلهى بها العرب.

فالرسميون العرب يزعمون أنهم منشغلون بدراسة إستراتيجية عربية موحدة للتعامل مع حكومة نتنياهو، ولكنهم في الحقيقة يسعون لتبرير تمسكهم بنهجهم الاستسلامي واختيار الوسيلة الأسوأ للضحك على شعوبهم، التي أصابها داء عضال اسمه "الاستزلال والانتظار"، وأعراضه: انتظار نتائج القمم العربية، انتظار تحقيق مصالحة بين نهجين متناقضين على الساحة الفلسطينية، وانتظار تغيير النهج الرسمي العربي، وانتظار تغيير البيت الأبيض لسياسته العدوانية تجاه الشعوب العربية والإسلامية...!! وهذا محمود عباس، صاحب أكذوبة (السلام) بين الشعب الفلسطيني والصهاينة، يبدأ بمغازلة نتنياهو، ويهنئه بعيد الفصح اليهودي، ليستأنف مسيرة المفاوضات، والقبلات، والأخذ بالأحضان، مع نتياهو وليبرمان وغيرهما، للتغطية على التهويد، واغتصاب الأرض، والحرب على المقاومة، وحصار غزة، وتمزيق الضفة...

وينظر كثير من العرب إلى وصول باراك أوباما للبيت الأبيض على أنه بداية للخلاص، وأنهم أمام حقبة أمريكية جديدة يملؤها عدل يبشر بنهاية الطغيان الأمريكي. وتعبر هذه النظرة الساذجة عن تواكل العرب على الغير، حتى الأعداء، وعن التهرب من تحمل مسؤولية. لقد أفسد بوش كل شيء، وأصبحت الولايات المتحدة بحاجة إلى من يوقف تدهورها، داخلياً وخارجياً، ويرمم صورتها المشوهة، ويهيئ العالم العربي للتعامل مع أمريكا جديدة، ضعيفة، لكنها تسعى للحفاظ على مصالحها المهددة ونفوذها المهدد في منطقتنا.

فالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين لن تتأثر بأساليب الملاطفة والمخاطبة بالعبارات الدبلوماسية الناعمة، وسيستكمل أوباما ما بدأه بوش، وسيعمل على استيعاب مرحلة هزيمة بلاده العسكرية في العراق وأفغانستان، وسيحاول تجميل صورة بلاده الدموية. إذاً لا يجدينا استعطاف أوباما واستمالته بكلمات معسولة، ولا يجدي أمتنا الضعيفة إبداء نواياها الحسنة تجاه الغرب، فالسياسة الأمريكية مرسومة ولن يؤثر عليها سوى ما يمكن أن يضر بالمصالح الأمريكية، أو يهدد النفوذ الأمريكي في منطقتنا، أو يضعف أصدقاء الولايات المتحدة وحليفها الكيان الصهيوني.

مشكلتنا نحن العرب أننا نحب تبسيط الأمور الصعبة، تنصلاً من المسؤولية، ونميل للتعاطي مع القضايا المعقدة بسذاجة وسطحية، فهل تضيع لحانا بين بوش وأوباما وننسى حقبة أمريكية مليئة بالدم العربي والإسلامي الذي سفحه الأمريكيون على أرضنا؟!!

14/4/2009

(108)    هل أعجبتك المقالة (101)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي