أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من ينقذنا من أفراحنا؟؟ ... حسن بلال التل

معالي وزير الداخلية الأكرم؛
صباح الخير:
نعلم يا سيدي حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقكم وحجم ما تقوم به الوزارة من أعمال تتعلق بكل مناحي حياة الأردنيين من أكبرها الى أصغرها ونعلم تماما أن الكثيرين يُشغلون وزارة الداخلية ووزيرها بشؤون قد تكون صغيرة أو هامشية، وما نحن بصدد التطرق إليه الآن قد يبدو للوهلة الأولى من القضايا الصغيرة أو الهامشية والتي بسبب هذا المظهر الكاذب من عدم الخطورة تحولت من مسألة صغيرة الى كارثة كبيرة، ومن مجرد ظاهرة عابرة الى مشكلة حقيقية تسبب الكثير من الكوارث.

معاليكم؛
يقول الأردنييون (إجا الصيف وإجت بلاويه)... وبلاوي الصيف أكثر من أن تعد، فمن الازدحامات الخانقة، إلى المظاهر اللا أخلاقية التي تسود الشوارع والمطاعم والمقاهي، الى حفلات الزفاف وسواها من المناسبات الاجتماعية الكبرى التي تكثر وتتركز كل صيف، مع ما تحمله من ازعاج يستمر طوال الليل وحتى اطراف النهار، مع كل ما يرافقها من اطلاق نار لا ينقطع وألعاب نارية لا تهدأ، وازعاج يكتسح الأحياء السكنية ويمنع النوم عن جفن الكبير قبل الصغير، والأنكى من هذا كله ما يسبق هذه الاعراس ويتبعها من زفات بالسيارات والتي تعرف بـ(الفاردة).
والفاردة هي تقليد عربي جدا ويتركز بالذات في الأردن وسوريا ومصر وبعض دول الخليج ولا اعلم ان كان يمارس بذات الصورة في دول عربية أخرى، لكننا وكعادتنا في الاردن مع كل شيء سيء، نتميز بها جدا، فالفاردة الاردنية ليس لها مثيل في شرق العالم ولا في غربه، حجما وطولا ومدة وازعاجا، وبالتأكيد خطورة وكوارثا.
فالفاردة الاردنية لا يجوز ان تقل عن 10 سيارات وقد تصل الى مئة، ومن العار والعيب أن لا يقوم كل من في هذه الفاردة بالتزمير وإشعال الاضواء العالية والغمازات الرباعية، ولا بد لثلاثين بالمئة من شباب الفاردة على الاقل ان يخرجوا من شبابيك السيارات مهللين مطبلين في سيارات قد تسير فجأة بسرعة السلحفاة وفجأة بسرعة الضوء، وأحدث صرعات الفاردة الاردنية أنه اصبح لزاما أن يتقدم الفاردة 3 أو 4 سيارات تمهد الطريق ويخرج منها شبان يحملون الكاميرات والموبايلات لتصوير الحدث العظيم، وبالطبع فهؤلاء وكل من وراءهم يجب ان يسدوا الشارع بكل مساربه، سواء أكان شارعا فرعيا بين احياء سكنية او اوتوسترادا دوليا يربط مدنا ومحافظات وبلدانا.

معاليكم؛
حتى الآن قد تظن ان السبب وراء ما كُتب هو الازعاج والضوضاء والمظهر اللا حضاري، وهي كلها أمور منطقية وصحيحة، لكن الأمر الأهم والاسوأ هو ما تتسبب به هذه المواكب من ازدحامات مرورية بل واختناقات قد يكون من نتائجها كوارث كبرى.
فالفاردة عموما لا تأبه بمن وراءها ولا حتى بمن تجرأ واخترق صفوفها، سواء أكان شخصا يحاول الوصول الى وجهة محددة، أو مسافرا يحاول اللحاق بطائرة قارب موعدها، أو سيارة اسعاف تنقل انسانا متعلقا بالحياة بشعرة وروحه على كف الرحمن جل وعلا ويرجو كما يرجو أهله وذووه من الله أن يعجل في وصولهم إلى أقرب مشفى في ظرف دقائق قد تعني له الفرق بين الحياة والموت ولأسرته الفرق بين أن يعود أبوهم الى بيته سليما معافى أو أن يتحولوا الى أيتام، يتّمهم فرح غيرهم غير المسؤول.
وأقسم ان البعض (يتفشخر) بأن زفته قد سدت شوارع البلد لساعات ومنعت حتى سيارات الاسعاف من المرور، وأحد المعارف تفاخر أمامي بأن فاردة شقيقه قد انطلقت من الرمثا الى الطفيلة ثم رجوعا الى عمان، فكان من نتائج هذه الفشخرة أنني كدت أضربه عندما تخيلت نفسي عالقا وراء هذه المصيبة من عمان الى الطفيلة.

معاليكم؛
لا نقول أن يمنع الناس من الفرح كما نعلم بأن المطالبة بمنع الفاردة بصورة تامة هو حلم من أحلام اليقظة، لكن من السهل جدا البدء باجراءات من شأنها ولو على المدى الطويل الحد من هذه الظاهرة أو تهذيبها الى أن تجتث نهائيا، كأن يحدد عدد سيارات الفاردة وتمنع هذه السيارات من السير في اكثر من مسرب من مسارب الطريق، وأن تمنع الفاردة على الطرق الخارجية والشوارع الرئيسية، وقد شرّع من سبقوك وسائل كان من شأنها أن حدت من مظاهر اسوأ من هذه واكثر تجذرا في المجتمع، عندما شرّعت عقوبة حبس العريس عندما يحدث اطلاق نار في أي زفاف، وبالتالي فهناك ما يثبت أن هناك نوعا من البشر (بيخاف ما بيستحي)، وبالتالي فإن فرض عقوبة رادعة قد تتمثل بحجز سيارة العروسين مثلا أو أخذ العريس الى المركز الأمني أو الحاكم الاداري للتعهد بعدم تكرار هذه الفعلة، او سحب رخص سائقي سيارات الفاردة التي تسد شوارع بأكملها او تتسبب بازعاج زائد، قد يكون العلاج السحري لهذا المرض الأردني المستعصي.

معاليكم؛
معروف عنكم الحزم وإن أخفته ولطّفته الدبلوماسية، ومعروف أنكم من الرجال الذين لا يهابون اتخاذ القرارات الهامة وإن كانت صعبة أو من شأنها أن تثير اعتراضات عديدة طالما انها في مصلحة الوطن والمواطن، لذا نرجو أن تضعوا نصب أعينكم ان روح انسان واحد قد تزهق بسبب مظهر واحد من مظاهر الفرح السلبي هذا لا تردها كل ما يليها من قرارات، وأنتم خير من يعلم الى أي حضيض أوصلتنا عقلية (الفزعة)، وانتظار وقوع البلاء بدل الوقاية منه.

معالي نايف بيك.... نرجوكم أن تنقذونا من أفراحنا

(98)    هل أعجبتك المقالة (99)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي