أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الوعي السياسي ومعركة الإرادات والمسؤولية الفلسطينية ... أ.د. محمد اسحق الريفي

تمكن العدو الصهيوني عبر عدوانه المتصاعد ضد الشعب الفلسطيني من تحويل حياة المواطن الفلسطيني في الضفة المحتلة وغزة إلى ساحة صراع دائم، مستهدفاً إرادته السياسية، وذلك بمحاولة النيل من وعيه السياسي وتشكيكه بعدالة قضيته وجدوى مقاومته للاحتلال، ما يؤكد أهمية الوعي السياسي في كسب معركة الإرادات مع العدو الصهيوني، وفي إنهاء المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

ففي خضم صراع الشعب الفلسطيني المتواصل منذ عقود عديدة مع العدو الصهيوني المغتصب لأرضه والمنتهك لحقوقه والمهدد لوجوده، كلما أبدى الشعب الفلسطيني إرادة قوية وثابتة، كلما صعَّد هذا العدو من عدوانه وقمعه، ظناً منه أن المعاناة الناتجة عن عدوانه وقمعه ستضطر الشعب الفلسطيني إلى الاستسلام والتخلي عن ثوابته وأرضه وحقوقه. ولكن الشعب الفلسطيني أثبت عبر تاريخ جهاده ضد الاحتلال عكس ذلك، رغم قسوة المعاناة التي يعيشها وتفاقمها لحد لا يطاق، وذلك بفضل تمسك شعبنا الفلسطيني بعقيدته الإسلامية، التي تعصمه من الاستسلام والتنازل عن الثوابت والتفريط بالحقوق، وبفضل تحليه بالوعي السياسي الذي يحميه من محاولات الخداع والتضليل التي يقوم بها العدو الصهيوني وحلفاؤه الغربيون، والتي تستهدف إرادة الشعب الفلسطيني.

فتصعيد العدو الصهيوني لعدوانه ضد الشعب الفلسطيني يعمق الوعي السياسي للمواطن الفلسطيني بجوانب قضيته وبالطبيعة العدوانية للمخطط الصهيوني الذي يستهدف وجود الشعب الفلسطيني، ويكشف أدوار الأطراف الغربية والعربية في التآمر على القضية الفلسطينية ومحاولة تصفيتها وفق الرؤية الصهيونية والغربية، ويؤكد للشعب الفلسطيني أن مقاومة الاحتلال هي السبيل الوحيد للتخلص منه وأن التسوية السياسية تخدم المخطط الصهيوني وتكرس الاحتلال وتزهق إنجازات المقاومة وتضحيات الشعب الفلسطيني.

وانطلاقاً من إدراك العدو الصهيوني لأهمية الوعي السياسي في كسب معركة الإرادات بينه وبين الشعب الفلسطيني، ظل هذا العدو يسعى دائماً عبر فصول الصراع العربي - الصهيوني بكل الوسائل لتجهيل المواطن الفلسطيني بحقيقة النوايا العدوانية للمخطط الصهيوني، وللنيل من وعيه السياسي بجوانب القضية الفلسطينية وحقيقة الحلول الغربية لحلها، وذلك عبر تضليله وخداعه بما يسمى "عملية السلام"، وتشكيكه بجدوى المقاومة وتحويل فعالياتها إلى معاناة قاسية ومؤلمة يومية للشعب الفلسطيني، بينما يتخلى ما يسمى "المجتمع الدولي" عند الحديث عن العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني عن قيمه ومبادئه والمواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحمايته من الاحتلال والعدوان.

فبينما فشلت التسوية السياسية في استعادة أي قدر من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أو حتى التخفيف من معاناته اليومية، وبينما استغل العدو الصهيوني هذه التسوية لمواصلة عمليات التهويد والاستيطان وخلق وقائع صهيونية على الأرض الفلسطينية تستهدف التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والهوية الفلسطينية، تمهيداً لإقامة "الدولة اليهودية"، لا يزال "المجتمع الدولي" يضلل الشعب الفلسطيني بجدوى التسوية ويطرح حلولاً سياسية تخدعه وتبرر لفئة منه تساوقها "الخياني" مع العدو الصهيوني والغربيين والأمريكيين تحديداً في محاولاتهم لحسم القضية الفلسطينية لصالح المخطط الصهيوني، ولا تزال الإدارات الأمريكية الجديدة متمسكة بما يسمى "حل الدولتين" في إطار خطة خريطة الطريق الأمريكية، لتبرير مشاركة تلك الفئة في الحرب على المقاومة الفلسطينية والقضاء على بنيتها التحتية.

ومما يؤسف له، أن شريحة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني خدعت بعملية أوسلو، الذي أفاق بعد ذلك بسنوات عندما تعافى وعيه السياسي وأدرك زيف "السلطة الوطنية الفلسطينية" وأنها ليست بداية لنيل الحقوق وتحقيق الطموحات وإنما هي نهاية القضية الفلسطينية، ليجد الشعب الفلسطيني نفسه يعيش واقعاً بائساً وسط الفساد والفوضى والتعاون الأمني مع الاحتلال، الذي لم يتوانى لحظة في مواصلة التهويد واغتصاب الأرض وتدنيس المقدسات وتهجير المواطنين الفلسطينيين. ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من هذا الواقع البائس بشدة، لأن تلك الفئة المتساوقة مع الأعداء والمدعومة مما يسمى "محور الاعتدال العربي" أخذت على عاتقها تضليل الشعب الفلسطيني، وتمرير المخططات الصهيونية والغربية، وخداع الشعب الفلسطيني، ونزع سلاحه، والقضاء على مقاومته.

أما حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية العرب، فقد ظلوا يطرحون مبادرات للسلام لا تلبي الحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني، وتعطي شرعية لكيان الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية التي اغتصبها واستولى عليها، وكأنه لا يوجد في جعبة هؤلاء العرب إلا التخاذل والصمت والتواطؤ مع العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته، رغم أن العدو الصهيوني رفض السلام ومبادراته من خلال مواقفه السياسية الثابتة تجاه الشعب الفلسطيني وممارساته العدوانية على الأرض. كما لا يزال محور الاعتدال العربي يدعم تلك الفئة المتساوقة مع الأعداء ويعدها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وكل ذلك يؤكد أن العدو الصهيوني وحلفاءه الغربيين والمتواطئين العرب وشركاء الاحتلال في التسوية ووكلاءه في قمع المقاومة تمكنوا من تحقيق اختراق كبير في الوعي الجمعي "السياسي" للشعب الفلسطيني، وساعد على ذلك انقسام الشعب الفلسطيني إلى فصائل متنازعة، قام معظمها بتغليب مصالحه الفئوية على المصالح الوطنية والقومية، بينما ظل عامة المواطنين الفلسطينيين مخدوعين بسراب التسوية السياسية، فتحولت حياتهم إلى مسرح للأحداث وميدان للصراع مع الأعداء، الذين راودوهم عن حقوقهم وأرضهم وساوموهم على كرامتهم وعزتهم، عبر التحكم في الراتب، والوظيفة، والحصار، والحواجز، والمعاناة بشتى صنوفها. فمتى يتحقق لدى المواطن الفلسطيني الوعي السياسي بقضيته وحقيقة المخطط الصهيوني ودور محور الاعتدال العربي في تمرير المخططات الصهيونية والغربية؟!

فالوعي السياسي والإيمان هما أساس الإرادة السياسية، ولا إرادة قوية دون وعي سياسي متين، ولا تقتصر أهمية الوعي السياسي على إدراك حقيقة المخطط الصهيوني، بل تشمل أيضاً إدراك حقيقة الدور العربي الرسمي في تهميش القضية وغض الطرف عن الممارسات الصهيونية ضد وجود الشعب الفلسطيني، وفي التآمر على المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى الوقوف على حقيقة دور المجتمع الدولي في استمرار معاناة الشعب الفلسطيني وتدهور القضية الفلسطينية.

ويجدر التأكيد على أن الفئوية الضيقة تبطل مفعول الوعي السياسي، وتحرف الإرادة السياسية إلى وجهة مؤذية للشعب الفلسطيني، لأن الفصائل التي تنظر إلى القضية الفلسطينية من منظورها الفئوي، لا يمكن أن تدرك حقيقة الصراع العربي - الصهيوني، ولا يمكن أن تتعاطى معه بطريقة صائبة، ولا يمكن أن يتحقق لها الوعي بالجوانب المختلفة للقضية الفلسطينية، ولهذا فإن الشعب الفلسطيني يتحمل جزءاً من مسؤولية المعاناة التي يكتوي بجحيمها!!

10/4/2009

(105)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي