هامش رقم 1: لم تأت ربما، ثورة بالعصر الحديث، من المشروعية والأحقية والصوفية، كما الثورة السورية، ولم يتعامل نظام خلال العصرين، الحديث والقديم، مع مطالب الشعب وأبناء البلد، كما نظام الأسد.
هامش رقم 2: لا أعتقد أن المناطق المحررة بسوريا، أي الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، قد تحررت، أو جلها على الأقل، دونما إرادة النظام، بل كان التخلي عن الأرياف وبقاء السيطرة على مراكز المدن والأذرع النارية الطويلة على الأرياف، إحدى أهم الاستراتيجيات التي اعتمدها الأسد بالتشاور والنصح من حليفه الإيراني، ليحدث خللاً ضمن بنية الثورة والسوريين، وعلى مستويات عدة ومختلفة، وثمة وثائق ودلائل.
هامش رقم 3: ينقل لي، كما لغيري، كثير من أهلنا بالمناطق المحررة، أحوال الاستقواء التي تمارس عليهم من "إخوة المنهج" والتي وصلت للقتل بوضح النهار وخطف من تبقّى من المثقفين والمهنيين، وعدم فك أسرهم إلا مقابل لقاء مالي ضخم...وإلا قتلهم ورميهم على قارعة الطرقات، كما جرى منذ يومين مع الإغاثي حمدو العمر.
هامش رقم 4: لا تختلف حتى تاريخه، حياة السوريين بمناطق الأسد وما يسمى المناطق المحررة، إن لجهة التفقير والعوز، أو كبت الحريات والاعتقال والخطف والقتل، أو حتى لما يتعلق بتعاظم النقمة على "الحكام الظلاّم" وعلى كلتا الضفتين، بل ثمة تخويف وتجهيل وسفك دماء، بالمناطق المحررة، تفوق ما يحدث بمناطق الأسد.
هامش رقم 5: كل ما عجزت عصابة الأسد عن تحقيقه في مجتمع الثورة، فعلها له "المحررون" فقتلوا الحس المدني بمناطق سيطرتهم، هجروا أو اعتقلوا أو قتلوا، كل أصحاب الرأي والمواقف الوطنية، وقبل تمهيدهم لنظام الأسد وغير مرة، ليدخل تلك المناطق بعد "الأرض المحروقة" حاولوا تأصيل التخلف ليعيدوا السوريين إلى ما قبل العصر الجاهلي.
لذا، سأبدأ بسؤال، هل بقاء ما يسمى المناطق المحررة تحت سيطرة من يسمون أنفسهم "مجاهدين" هي في صالح الشعب السوري وسوريا الدولة الديمقراطية التي سعى إليها جلّ السوريين ودفعوا أثماناً وعلى الصعد جميعها، لم يدفعها شعب ثار على الظلم والديكتاتورية، ..ربما عبر التاريخ.
ولئلا تكون الإجابة مرتجلة ومتسرعة، أو متأتية إثر ردة فعل آني، تعالوا نفكر ونقارن ونفاضل.
عجز المجاهدون وبعد سنوات، من "تحرير" إدلب وقبلها الغوطة ودرعا وبعض حمص وحلب والرقة وبعض دير الزور ومعظم حلب، من المحافظة على ما حرروه، بل ولم يقدموا للشعب، بعد التحرير، أياً من الآمال المعقودة والمطالب البسيطة التي توازي ما ضحى به السوريون أو ما حرموا منه خلال حكم الأسدين وعلى مدى نصف قرن، بل على العكس، ولعل بالجلد ومصادرة الحقوق والممتلكات والاستقواء والخطف والقتل، بل وحتى منع أطفالنا من التعليم، أدلة وشواهد، يعرفها خاصة من يعيش بالداخل أو يتواصل مع أهلنا المحتجرين.
أكدت الأحداث ومجريات المعارك والحياة اليومية بالمناطق المسماة محررة، أن ثمة اختراقا، أسديا وإقليميا ودوليا، لجل القادة، بل ارتباط بعضهم بشكل مباشر مع مخابرات الأسد وبعض الدول الإقليمية، ولعل بالهروب لحضن الأسد أو الاغتيالات، أو -وهو الأهم - الإبقاء على العسكرة ضمن القرى والمناطق المحررة والاقتتال حتى تاريخه، تؤكد على الأقل، أن مشروع هؤلاء "المحررون" بعيد كل البعد عن حلم ومشروع السوريين، بدولة مدنية ديمقراطية تنسيهم حكم الأسدين والظلم والاستعباد الذي لاقوه منذ سبعينيات القرن الفائت.
وقد يكون الأهم بالمقارنة، أن وجود هؤلاء المجاهدين، يعطي ذريعة لنظام الأسد ومن يهمه قتل وتشريد وإذلال السوريين، لاستمرار القتل والتهجير والقصاص من شعب تطلع يوماً للحرية والعدالة الاجتماعية...وقد بما رأيناه أخيراً بمخيمات أهلنا على الحدود، من برد وجوع وغرق بمياه الأمطار دون أن يتحرك ساكن بالعالم، كل العالم، أدلة على وحدة الهدف بين الأسد والدول الديمقراطية...وربما المجاهدين أيضاً.
طبعاً إن لم نأت على "تفاصيل" أكثر من مهمة، تتعلق بتهجير الشباب والكفاءات وحرمان الأولاد من أبويهم ومن التعليم...وهكذا وصولاً لمحاولات تغيير أفكار وقناعات السوريين قسراً، تجاه التاريخ والجغرافيا والأديان.
نهاية القول: أعتقد من الحكمة والمنطق والواقع، أن نتفق على أن وجود هؤلاء المجاهدين بمناطق تسمى محررة، تخدم نظام بشار الأسد وحلفائه حتى من "العروبيين" وعلى غير صعيد ومستوى، ومن الحكمة والمنطق والواقع أيضاً، السعي والمطالبة لتخليص الأسد ومن والاه وسيواليه، هذه الورقة التي يتاجر بها على أن ثورة السوريين إسلاموية وأن السوريين إرهابيون، بل ولم يعد يخصص تلك المناطق ضمن الموازنة العامة للدولة...وكأنه وجد مشتهاه، حتى لو تم سلخها وتقاسمها فيما بين تركيا وإيران ومصر والإمارات وروسيا.
فإن تخلّص السوريون من أهم أسباب هزيمة ثورتهم، وهي "المتأسلمون والغرباء" ولو عادت تلك المناطق لسيطرة نظام الأسد، فسيتم إلزامه برعاية تلك المناطق وتخصيص استحقاقات أهلها من مأوى وطعام ووقود وأجور، بل وحتى حماية، وتعود سوريا لو نسبياً إلى ما قبل الاستقواء والمحرر، وقت قام أهلوها العزل على نظام أمني قوي...فماذا وهو بما عليه من ضعف وفضائح وارتهان، بمعنى، احتمال القيامة السورية من جديد، وارد وضروري وواجب.
كما من الأهمية بمكان التطرق إلى ضرورة سحب الذريعة ممن يدعي تمثيل السوريين حتى اليوم، فيرتمي بأحضان دول المنطقة ويتقاضى آلاف الدولارات وينوب عن الثورة والشعب ويحافظ على هياكل ثورية مخترقة ومنخورة، أكثر من محافظته على شرف وحياة السوريين، فإن فقدنا هذه الجغرافيا الصغيرة والتي لا نملكها أصلاً...فبماذا يمكن أن يتاجر الساسة الذين تصدروا مشهد الثورة وساهموا بسرقة حلم السوريين.
نقطة نظام: لو سألنا أنفسنا لماذا تساهلت عصابة الأسد الزائلة يوماً لا محالة، إن لم نقل تعمدت، الخروج من معظم الريف السوري والاحتفاظ بمراكز المدن؟!
أعتقد الإجابة، لأن ما لدى العصابة من جيش وأمن، لا يستطيع تغطية الجغرافيا السورية وقتذاك، ولأنها -العصابة- زرعت من "الثورجية" ما يضمن لها الاختراق إن لم نقل السيطرة على تلك المناطق ولو بعد حين...وربما الأهم بالإجابة، أن عصابة الأسد آخر اهتمامها الأرض والشعب، فهي رسمت بمشورة الفرس، على الانتصار على الثورة ولو بعد عشرين عاماً.. حتى لو لم يتبق من سوريا سوى القصر الرئاسي وكرسي الوراثة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية